[حكم الطواف والسعي والرمي للجمار من الطوابق الثاني فما فوق]
  فوق الجمار فيرمي موضع الرمي فتصل الحصاة موضع الرمي بشدة الرمي وقوته لا بمعونة اندفاع الحصاة وانجذابها إلى أسفل، غير أن هذه الصورة لا تحصل إلا للواقف على الفتحة المطلة على الجمار.
  وبعد، فإنه لا ضرورة في رمي الجمار، فبإمكان الضعيف والمرأة أن يرميا الجمار في الليل فإن الزحام في الليل خفيف، بخلاف الطواف بالبيت فإن الزحام لا ينفك عنه لا في ليل ولا في نهار، إلا يوم عرفة فإنه يخف قليلاً.
  وأما السعي بين الصفا والمروة فنقول فيه كما قلنا في الطواف، وهو أن السعي من الطابق الثاني أو الثالث لا ينبغي إلا في الضرورة.
  فإن قيل: لم يثبت أن حكم سماء الصفا والمروة حكمهما كما ثبت في الكعبة زادها الله تعظيماً وتشريفاً فَلِمَ ألحقتم الصفا والمروة بالكعبة؟
  قلنا: نعم لم يثبت ذلك، غير أنا أثبتنا صحة السعي بينهما من جهة أخرى، وهي: أن الواجب هو السعي بين الصفا والمروة، وهذه البينية متحققة في الطابق الثاني والثالث.
  فإن قيل: إذا كان حكم سماء الكعبة حكمها، وحكم ما بين الصفا والمروة من فوق حكم ذلك - فلمَ لا تجيزون الطواف والسعي من فوق على الإطلاق؟ ولماذا لم تجيزوه إلا في الضرورة؟
  قلنا: الطواف والسعي من أسفل معلوم الصحة من غير شك ولا إشكال، أما الطواف والسعي من الطابق الثاني أو الثالث فصحته غير معلومة، وإنما يظن صحتها ظناً، والمعلوم أنه لا يجوز العمل في مثل ذلك بالمظنون مع التمكن من المعلوم، وهذا أمر متقرر في العقول وقد قال النبي ÷: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»، وقال أهل الأصول: «لا يجوز العمل بالظن مع التمكن من العلم»، وقال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ٣٦}[الإسراء]، وذم سبحانه وتعالى الظن