حقيقة البيع
  ولا يستقيم أن تجتمع تلك الأحكام في واحد، فنظراً لذلك يمكن أن يقال: هناك حالة يصح فيها البيع، وحالة لا يصح فيها البيع.
  فالحالة التي يصح فيها البيع أن يوكل المشتري رجلاً، ويعطيه الفلوس، ويحدد له الحاجات من محل مثلاً، ويوكله صاحب المحل ببيع تلك الحاجات، والرجل خبير بالحاجات وبأثمانها، له معرفة كاملة وتمييز، ويفوضانه، فيدخل المحل ويأخذ الحاجات المطلوبة، ويسجلها في فاتورة بأثمانها المعهودة، ثم يوصل الحاجات إلى المشتري، ويوصل أثمانها إلى صاحب المحل.
  ومثال آخر: أن يأتي الرجلُ صاحبَ المحل - وهو معروف عنده بالثقة والأمانة - فيدفع له ربطة من الفلوس، ويعطيه بيان المقاضي، ثم يأخذ صاحب المحل من الربطة أثمان المقاضي، ويرد الباقي.
  ومثال آخر: إذا توفرت في ولي المسجد الثقة والأمانة، وكذلك ولي اليتيم، وحصلت الغلة التي تباع: كالخيار والرمان والفركس و ... إلخ، وعرضت البضاعة في السوق، واستقر السوق على أسعار محددة لبضاعة المسجد وما يماثلها من البضاعة، وباع الناس في ذلك السوق، ثم قال ولي المسجد: اشهدوا أني قد اشتريت بضاعة المسجد بكذا وكذا، أي: بالسعر المحدد في ذلك اليوم، وأراد الولي أن يخزنها في ثلاجة، أو أن يجمع له كمية من البضاعة ويسافر بها الخارج - فمثل هذا البيع لا يظهر على صحته غبار.
  فإن قيل: إن على الولي أن يتحرى مصلحة المسجد أو اليتيم، فإذا رأى المصلحة في تخزين الغلة أو في السفر بها الخارج لزمه ذلك.
  قلنا: الواجب على الولي أن يفعل المعتاد من المصالح في مثل ما وُلِّي عليه، ولا يلزمه أكثر من ذلك، فالسفر بالغلول إلى الخارج غير معتاد، ويحتاج إلى تكاليف ومغامرات ومعاملات، والتخزين في الثلاجات أيضاً غير معتاد، ويحتاج إلى غرامات.