من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

باب الوضوء

صفحة 56 - الجزء 1

  ذلك، ولا موافق عليه، بل كاره له أشد الكراهة حيث تركتم عبادة رب العالمين، وقصدتم إلى عبادة الأصنام.

  والدليل على ما ذكرنا من التفسير: أن الله سبحانه وتعالى قال بعد قوله «إِني سقيم»: {فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ٩٠}⁣[الصافات]، فحكى الله تعالى أنهم تولوا عن إبراهيم وأنهم أعرضوا عن فكرته ودعوته، ولو كان كما في بعض الروايات إخبار إبراهيم أنه مريض مرض الجسم لاكتفى بقوله تعالى: {فَتَوَلَّوْا}، ولما كان حينئذ لقوله: {مُدْبِرِينَ} فائدة، والله أعلم، فالكلام مجاز علاقته المشابهة بين علل القلوب والأبدان.

  وأما قوله تعالى: {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ٧٠}⁣[يوسف]، فقد قيل: إن إخوة يوسف # قد كان تحقق منهم السرق من قبل، فسماهم يوسف # من أجل ذلك سارقين، فلم يكن الكلام هذا من الكذب.

  أما الجواب على قوله: هل يجوز الكذب لمصلحة ... إلخ، فنقول: إذا كان في الصدق مفسدة فيجوز في هذه الحال الكذب، بل قد يجب، نحو: أن يسألك الظالم عن رجل مؤمن يريد أن يقتله أو يعذبه بسجن أو ضرب أو إهانة، فالواجب أن تقول: لا أدري أين هو - وإن كنت تعلم مكانه - بل إن الظالم إذا حلفك على ما تقول: حلفت له بأنك لا تدري، وتكون في هذه الحال باراً في يمينك، غير مؤاخذ عليها، إلا أن العلماء قد ذكروا في مثل هذا أنه ينبغي أن يتأول الحالف في يمينه بتأويل في قلبه نحو: أن ينوي أنه لا يدري أين هو أفي رأس مجلسه أم في وسطه أم في طرفه، أو نحو ذلك مما يصير به الحالف صادقاً في كلامه ويمينه، وهذا الذي ذكره العلماء حسن جميل وفيه احتياط وسلامة، غير أنه قد لا يتأتى التأويل لعامة الناس وخاصة في ساعة الحرج والمضايقة من الظالم ونحوه.

  ولكن إن أمكن المتكلم والحالف التأويل فالأحسن أن يتأول في كلامه ويمينه، وإلا فلا حرج عليه إن شاء الله، فهذا الذي ذكرناه مثال للحالة التي