[وصايا فطارة الصائم]
  هذا، وقد كانت الوصية واجبة قبل نزول آية المواريث في سورة النساء، قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}[البقرة ١٨٠]، فلما نزلت آية المواريث في سورة النساء قال النبي ÷: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث».
  نعم، إذا كان أحد الأولاد ذا عائلة كبيرة، وذا فقر وحاجة، وكان سائر الأولاد أحسن منه حالاً، وأحب الوالد أن يوصي لهذا الولد الفقير بشيء لفقره وحاجته - فلا مانع من ذلك.
  وكذلك إن كان أحد الأولاد كثير الإحسان إلى والده بخلاف سائر الأولاد، ونحو ذلك - فهذا جائز ومخصوص.
  ودليل ذلك قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ١٤ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ١٥}[البلد]، وقوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ٦٠}[الرحمن]، ولو لم يرد في ذلك دليل من الشرع لخصص مثل هذه الحالات العقل.
  نعم، ولا مخالفة بين ما ذكرنا وبين الحديث: «لا وصية لوارث»؛ فالمراد بالحديث نفي الوصية التي كانت واجبة في أول الإسلام؛ فلما نزلت آية المواريث نسختها، فقال النبي ÷: «لا وصية لوارث» بمعنى أن الوصية التي كانت واجبة عليكم ومكتوبة عليكم قد ارتفع وجوبها فليست بواجبة ولا مكتوبة عليكم، وليس المراد بذلك نفي الصحة الذي هو المعنى القريب، وذلك لدلالة القرائن على أن المراد نفي الوجوب، ولا تخفى على المتأمل.
  هذا، ومما قد يؤيد ما ذكرنا أنه قد ثبت في الرواية أن الله تعالى جعل للإنسان ثلث ماله في آخر عمره يتصرف فيه بالوصية والتقرب إلى الله به أينما أحب من وجوه البر، وأحق الناس بالبر والتقرب ببرهم إلى الله الأقرب فالأقرب.
  فإن قيل: روي عن النبي ÷: «اتقوا الله وساووا بين أولادكم».