من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

في ذكر القرآن الكريم

صفحة 22 - الجزء 3

  ومن هنا كان أئمة القراءة كلٌّ يروي عن النبي ÷ ما يناسبه من القراءة دون ما لم يتيسر له.

  وكان النبي ÷ يقرأ لكلٍّ ما يناسب لغته؛ رخصة منه وتوسعة على الأمة؛ لعلمه بتعسر حفظه على لغة واحدة: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ٣}⁣[النجم].

  - وليس اختلاف القراء في نحو (ملك، ومالك) ناشئاً عن رسم المصحف؛ لأن القرآن يتلقى بالسماع من أفواه القراء، فأهل المدينة تلقوا سماع الفاتحة وغيرها من أفواه قرائهم بما في ذلك كلمة (ملك) فسمعوها بغير ألف، وتلقاها خلفهم عن سلفهم كذلك بالسماع والتلقي من الأفواه، لا من المصاحف.

  وكانت هذه هي الطريق المعتمدة عند علماء الأمة في العصور الأولى، وما زالت إلى اليوم.

  وقس على ما ذكرنا نحو (أنصاراً لله)، (أنصار الله) فكلٌّ سمع عن سلفه ما سمع، وتلقوه عن أفواههم، وهكذا تلقوا من الأفواه كيفية المدود ومقدارها، وهيئات الكلمة مثل الترقيق والتفخيم والإخفاء والإدغام والإظهار والرَّوْم والإشمام والإمالة والوقف والوصل و ... إلخ، كل ذلك تلقوه بالسماع وأتقنوه عند المشائخ حتى حفظوه كما سمعوه.

  وبعد، فالاختلاف الواقع بين القراءات السبع لا يتسبب في قلق، ولا ينبغي أن يكون منشأً للإشكال لأن القراءات السبع متواترة عن النبي ÷، وقد مضت أمة محمد ÷ على القراءة بكل واحدة منها من غير تناكر.

  - وما روي عن الإمام الهادي # من تصحيحه لقراءة أهل المدينة دون ما سواها من القراءات فالأمر عنده كذلك؛ لأنه ما سمع إلا قراءة أهل المدينة، ولو أنه # نشأ وتربى في مكة أو في الكوفة لسمع جميع القراء يقرأون بما سمعوا عن أسلافهم وصح لديه صحة ما سمع؛ لإجماع قراء تلك البلاد على قراءتهم.

  وإذا لم يتواتر للهادي # قراءة غير أهل المدينة فقد تواتر لغيره غير قراءة