من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

كتاب التوحيد

صفحة 42 - الجزء 3

  في بيان الجزاء على الأعمال الصالحة: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ}⁣[الحديد: ٢٨] إلى غير ذلك من الآيات.

  فبناءً على ذلك، فإن الله تعالى يزيد المهتدين والمتقين علماً ونوراً وكلما ازدادوا من الهدى والتقوى زادهم، وهكذا إلى أن ينتهي علمهم إلى الضرورة.

  فإن قيل: قد ذكرتم فيما سبق أنه لا ثواب على العلوم الضرورية فهل يثاب هذا الصنف؟ أم ينقطع ثوابه؟

  قلنا: بل يثاب على ما صار ضرورياً من العلوم الاستدلالية، وذلك أن الضرورة إنما حصلت بعناية من المكلف ومواصلة الجهد على التقوى والاستقامة، فالضرورة إذاً أثر من آثار عمله ونتيجة من نتائج تقواه وهداه، ونتائج الأعمال تتبع الأعمال في استحقاق الثواب والعقاب، بدليل قوله تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ١٢}⁣[يس].

  هذا، والأقرب في معارف الملائكة والأنبياء $ أنها مثل معارف المكلفين من البشر، بدليل أن الله تعالى إنما يعرف بآياته الدالة على عظمته وجلاله وعلمه وقدرته و ... إلخ؛ لأنه سبحانه وتعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}⁣[الشورى: ١١]، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ٤}⁣[الإخلاص]، ومن هنا قال ابن أبي الحديد:

  والله ما موسى ولا عيسى المسيح ولا محمد ... عرفوا ولا جبريل وهو إلى محل القدس يصعد

  من كنه ذاتك غير أنك أوحدي الذات سرمد ... عرفوا إضافات ونفياً والحقيقة ليس توجد

  غير أن الملائكة أعبد وأطوع وأتقى وأطهر، {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ٢٠}⁣[الأنبياء]، {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ٦}⁣[التحريم]، وعلى هذا فيكونون أولى بزيادة العلم والنور ومضاعفة ذلك إلى أن تصير معارفهم ضرورية، ثم يأتي الأنبياء بعد الملائكة.

  وهناك دليل يدل على أن معارف الأنبياء À استدلالية وهو قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ... الآية}⁣[البقرة: ٢٦٠].