كتاب التوحيد
  المخاريق والظروف، وهذا معروف في الهواء الذي داخل الغلاف الجوي، فهل الهواء الذي خارج الغلاف الجوي مثل الذي هو داخله؟ أم أنه ساكن لا يتحرك؟ وإذا كان ساكناً لا يتحرك فهل هو نقض لدليل الأئمة $؟
  د - قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: ١١]، و {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ٤}[الإخلاص]، فإثبات أئمتنا $ الهواء في غير مكان أيكون مشاركاً لله في صفة اللامكانية؟
  الجواب: لفظ الهواء يطلق ويراد به شيئان أحدهما: الفراغ المحض. والثاني: جسم لطيف حالّ في ذلك الفراغ يسكن ويتحرك يملأ الظروف.
  فالأول: الذي هو الفراغ المحض ليس بجسم ولا عرض، وهذا هو المراد بأنه ليس في مكان، وهذا لا يوصف بالحركة والسكون بل الذي يتصف بذلك إنما هو الجسم الحالّ فيه.
  والثاني: الذي هو جسم لطيف يسكن ويتحرك، ويملأ الظروف، له مكان وهو ذلك الفراغ الذي قدمنا ذكره.
  فقول أئمتنا $: إن الهواء كان لا في مكان - يراد به المعنى الأول.
  وقولهم: إن الهواء جسم لطيف - يراد به المعنى الثاني.
  هذا، وقد تضمن قولنا الجواب على التساؤلات قبل الأخيرة فتفهّم.
  وإليك مثالاً تعرف من خلاله أن المكان لا يحتاج إلى مكان: حجر طولها عشرة سنتيمترات وعرضها كذلك وعمقها كذلك، وهذه المقادير هي مكانها، وبالضرورة فإنها لا تشغل من المكان سوى هذه المقادير، وسوف ترى أنك إذا وضعتها في الماء لا تشغل إلا تلك المقادير، ولو كانت تلك المقادير تحتاج إلى مكان لرأيت الماء ينفرج عنها يميناً وشمالاً فحين لم يحصل ذلك علمنا أنها لا تحتاج إلى مكان.