من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

كتاب التوحيد

صفحة 65 - الجزء 3

  الفرق بين الصراصير والنحل؛ فالصرصور ينفر من النور ويأنس بالظلام، وينفر من الروائح الزكية، ويأنس بالروائح الكريهة، ويسكن حيث العفونات، ويبتعد عن الأماكن النظيفة.

  والنحلة تنفر من الروائح الكريهة وتأنس بالروائح الجميلة، وتهرب من العفونات والأوساخ، وترتاد الأماكن النظيفة والأطعمة الطيبة و ... إلخ؛ أفليس في بعض الطبائع ما ينافي التكليف؟

  قلنا: ليس فيما ذكرتم ما ينافي التكليف، وإليك التوضيح:

  في كل مكلف طبيعتان متضادتان، مثل: الشجاعة والجبن، والكرم والبخل، والرحمة والقساوة، والأناءة والعجلة، والحياء والبذاء، والرفق والجفاء، والعفو والانتقام (طبيعة العفو وطبيعة الانتقام)، والصبر والخور، والشكر والكفر، والخير والشر، والحلم والغضب، والكبر والتواضع، والإيمان والكفر، والوفاء والغدر ..، وإلى آخر الطبائع المطبوعة في المكلف، فعند كل طبيعة في المكلف طبيعة تضادها.

  فيزاحم إيمان المكلف دواعي طبيعة التكذيب بما لديها من الشبه وزخارف الغرور، ويزاحم الحلم دواعي طبيعة الغضب والانتقام بما لديها من محسنات، ويزاحم طبيعة الكرم دواعي طبيعة البخل بما معها من الترويج له وتحسينه، وهكذا إلى آخر الطبائع.

  ولولا ذلك لما حسن التكليف؛ لأن الطبائع الخيرية لو سلمت من دواعي أضدادها لما كان على العبد في فعلها كلفة، والتكاليف مبنية على إتيان ما فيه كلفة ومشقة على النفس، والتكليف اختبار من الله تعالى لعباده، هل يؤثرون طاعته على طاعة دواعي نفوسهم ودواعي طبائعهم؟

  وحينئذ فوجود طبائع الشر وغرائزه عند المكلف ضروري لحصول التكليف، ولا يوجد التكليف ولا يصح إلا مع حصولها، وإلا لم يحصل التكليف.