كتاب التوحيد
  فكبر على المترفين أن يتنازلوا ويتواضعوا لطاعة من هو في أعينهم حقير، وقد حكى الله تعالى عن المشركين قولتهم في ذلك: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ٣١}[الزخرف].
  هذا، والسبب في كثرة عصاة المسلمين هو غلبة الشهوات، فمنهم من تصرعه شهوة الفرج، ومنهم من تصرعه شهوة البطن، ومنهم من تعصف به شهوة الكبر، ومنهم من تغلبه شهوة الحسد، و ... إلخ.
  نعم، حجة الله لازمة للجميع وقائمة عليهم، وإنما أُتوا من عند أنفسهم، فهم الذين جروا على أنفسهم العذاب باختيار الكفر والفسوق والعصيان بعد أن وفر الله تعالى لهم أسباب الهدى بما أعطاهم من فطر العقول، وما بث في الكون من الآيات والعبر، وبما أرسل من الرسل وأنزل من الكتب، ولولا الكبر والأهواء لأبصروا أبواب الهدى مفتحة، وطرقه معبدة.
  هذا، مع ما ركز الله تعالى في فطر العقول من أن الصدق خير من الكذب، وأن الإحسان خير من الإساءة، والعدل خير من الظلم، وأن مكارم الأخلاق خير من مساوئها، وهذا هو ما تدعو إليه الديانات السماوية.
  فرسل الله وأنبياؤه إنما يأمرون بما تألفه العقول وتعرفه، وينهون عما تنكره العقول، وتحل لهم الطيبات، وتحرم عليهم الخبائث.
[حكم خطأ الإنسان في اختيار المذهب]
  سؤال: إذا نظر الرجل في اختلاف المذاهب الإسلامية واختار لنفسه منها مذهب المجبرة أو المشبهة أو ... إلخ، فكيف يحكم عليه بأنه - عند بعض - كافر تأويل، وعند بعض أنه فاسق، مع قوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ ...}[الأحزاب: ٥]، وقوله ÷: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ...»، ومع أن ذلك الرجل قد تحرى في نظره، ونزه الله تعالى وقدسه، وأثبت له ما يستحقه تعالى من صفات الكمال، ونفى عنه ما لا يليق بعظمته من صفات النقص والذم، وقد قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦] وقد أدى ذلك الرجل وسعه؟