من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

كتاب العدل

صفحة 87 - الجزء 3

  قلنا: الأمر هو كذلك تقريباً، ولكن لا يتنافى ذلك مع التكليف فبمقدور كل شرير أن ينهى نفسه عن شرها، ويحبسها عن الشر، وبإمكان البخيل أن يحمل نفسه على الجود، وبإمكان الكذاب أن يحمل نفسه على الصدق، وبإمكان الغادر أن يحمل نفسه على الوفاء، وبإمكان الزاني أن يحمل نفسه على العفة، وبإمكان القاطع أن يحمل نفسه على الصلة والبر، و ... إلخ. إلا أنه يسهل الإنفاق على الكريم ويشق على البخيل و ... إلخ.

[مناقشة للرازي حول خلق أفعال المكلفين]

  مما يستدل به الرازي على أن الله تعالى هو خالق أفعال المكلفين من الطاعات والمعاصي بقوله: «هو أن الفعل يتوقف على حصول الداعي، وإلا لزم رجحان أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجحٍ، وهو محال. وحصول ذلك الداعي ليس من العبد وإلا لزم التسلسل، بل هو من الله تعالى ... إلخ». من تفسير سورة التوبة. وقال: إن هذا الدليل قطعي.

  قلت: استدلال الرازي هذا استدلال باطل وذلك - وإن كان الله تعالى هو الذي خلق الدواعي -: أن الداعي الذي يجده الإنسان في نفسه غير موجب لحصول الفعل.

  ودليل ذلك: ما يجده كل مكلف من نفسه، فيجد المكلف في نفسه الداعي إلى الأكل ولا يأكل، ويجد الداعي إلى الزواج ولا يتزوج، ويجد الداعي إلى السفر ولا يسافر، ويجد الداعي إلى الحديث ولا يتحدث، و ... إلخ، ولو كان الداعي موجباً للفعل لحصل الأكل عند حصول الداعي إليه، و ... إلخ.

  فإن قال أو قيل: إن المراد بحصول الفعل عند حصول الداعي مشروط بعدم الموانع المانعة من حصول الفعل، فقد يحصل داعي الأكل أو الشرب أو السفر أو ... إلخ ويكون ثَمَّ موانع تمنع الإنسان من فعل الأكل أو الشرب أو السفر، كأن يكون صائماً ونحوه.