من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

كتاب العدل

صفحة 86 - الجزء 3

  اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه»، فطبيعة الأبوين وأخلاقهما ودينهما يؤثر في ولدهما، فيتطبع بطبائعهما، ويتخلق بأخلاقهما، ويتدين بدينهما.

  فإن قيل: قد يكون للولد المتربي في حضن والديه الفاسدين عذر عند الله؛ لأن ضلاله ليس ناشئاً عن اختياره ولا بسبب منه.

  يقال في الجواب: يقال: قد أبطل الله تعالى مثل هذا العذر بالعقل وبالرسل À، وبما أنزل من البينات والحجج في كتبه وعلى ألسنة رسله.

  ولم يعذر الله تعالى الذين قالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ٢٢}⁣[الزخرف].

  فإن قيل: روي ما معناه: «من نبت لحمه من سحت فالنار أولى به»، فيؤخذ منه أن أكل الحرام يؤثر في ضلال الأولاد الذين يغذيهم أبوهم بالحرام.

  يقال في الجواب: المراد بذلك المكلفون الذين يتغذون بالحرام فيأكلون الربا والرشوة وأموال الناس بغير حق، ولا يدخل في ذلك الأطفال؛ لما جاء في الحديث الصحيح: «رفع القلم عن ثلاثة: الصبي حتى يحتلم ...» الحديث.

  وأما ما جاء في ولد الزنا فالسبب في فساده هو نشوءه في أحضان الزانية، وليس السبب في فساده كونه خلق من الماء الحرام.

  وبعد، فلو فرضنا أن الماء الحرام والمال الحرام سببان لفساد الولد الذي خلق من ماء الزنا، وفساد الولد الذي غذي بالمال الحرام - فإن ذلك لم يبلغ إلى حد لا يمكن الخروج منه، فإن من ذكرنا وإن بلغ في الفساد حداً بعيداً يستطيع بعقله وسمعه وبصره معرفة الحق والصواب، ويميز بين الرشاد والفساد، ومعه من حرية الاختيار مثل ما مع سائر المكلفين، وإذا كان الأمر كذلك فحجة الله تعالى قائمة عليه.

  فإن قيل: نرى الناس مختلفين في الطبائع فمنهم من تميل طبيعته إلى الشر، ومنهم من تميل طبيعته إلى الخير، يتبين ذلك في الرجل منذ صغره مما يدل على أن ذلك طبيعة خلقية، لا تَطَبُّع مكتسب من الأبوين.