كتاب الوعد والوعيد
  المثال الأول: قول الصدق حسن، ولا يتصور أن يخرج الصدق من حيث هو صدق عن الاتصاف بهذه الصفة ويصير قبيحاً، إلا أنه قد ينضم إلى قول الصدق ضميمة يصير الصدق معها قبيحاً لا لأجل أنه صدق بل لأجل عروض الضميمة التي انضمت إليه ولازمته؛ فلو أن ظالماً يبحث عن رجل مؤمن بريء ليقتله أو ليعذبه أو ليأخذ ماله، وكنت تعرف الرجل ومكانه، ثم سألك ذلك الظالم عن الرجل ومكانه ليقتله أو .... ، وهو قادر على أخذه وقتله؛ فإن قول الصدق للظالم في تلك الحال يكون قبيحاً وجريمة يستحق بها القائل مقت الله وغضبه، وهذا واضح فإن العاقل يدرك قبح ذلك بمجرد عقله، ولا شك أن القبح الذي نجده في ذلك القول الصادق لم يكن ناتجاً عن قول الصدق لذاته، بل إنما كان القبح لأجل ما انضم إلى قول الصدق من حصول قتل المؤمن وأخذ ماله وتعذيبه.
  فأنت ترى في هذا المثال ما يبين لك أن الحسن قد يصير قبيحاً لحصول عارض عرض دون الحسن.
  المثال الثاني: إذا كان هناك في رعية السلطان من يتسلط على الرعايا بالقتل والنهب والأذى، ثم أخذه السلطان، وقد عرف من حاله أنه لا يترك صنيعه ذلك، وعرف أن العفو لا يزيده إلا تمرداً وعدواناً، فإن العفو حينئذ يكون قبيحاً لا من أجل أنه عفو، بل لأجل ما انضم إلى العفو ولزمه من حصول الشر والضر على الرعايا، ولا شك أن جميع الرعايا سيسخطون على السلطان حين عفا ويذمونه، وتنطلق ألسنتهم في سبه ولعنه، وما ذلك لأجل أنه عفا؛ فالعفو حسن يستحق فاعله المدح والثناء، بل لأجل ما انضم إلى عفوه من حصول القبح.
  - فإذا استوضحت أيها السائل ما ذكرنا، وتبين لك ما شرحنا - فاعلم أن عفو الله تعالى يوم الحساب عن الذين ماتوا مصرين على كفرهم وجحودهم وفسوقهم لا يحسن؛ لما يصاحب العفو يومئذ وينضم إليه من القبح.