من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

كتاب الوعد والوعيد

صفحة 145 - الجزء 3

  القبر عند الله، وتشهير بفضله، أو بعظيم جرمه؛ فيزداد المؤمنون بما يرون من الكرامات على قبور أوليائه يقيناً وبصيرة، ويرتدع المجرمون بما يرون من أمارات النكال عن ارتكاب الجرائم، ويدعوهم ذلك إلى التوبة والاستغفار.

  وإظهار كرامة صاحب القبر للناس هو من جملة الثواب لصاحب القبر، وقد جعل الله تعالى الذكر الحسن للميت في الدنيا ثواباً عاجلاً كما حكى الله تعالى عن إبراهيم قوله: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ٨٤}⁣[الشعراء]، {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ٢٧}⁣[العنكبوت]، وقال تعالى لنبيه ÷: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ٤١}⁣[مريم]، {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى ...}⁣[مريم: ٥١]، {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ...}⁣[مريم: ٥٤]، {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ...}⁣[مريم: ٥٦]، وقال سبحانه: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ٧٨ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ٧٩}⁣[الصافات].

  فإن قيل: كيف يكون ما ذكرتم ثواباً مع أن صاحب الثواب ميت لا يدرك ذلك الثواب ولا يلتذ به، ولا يتنعم فيه؟

  فيقال: ثواب الدنيا يتقاضاه الأولاد والذراري بعد موت صاحبه، فهم بمنزلة الأب، وحكم الأب حكمهم في هذا الباب بدليل قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}⁣[الشورى: ٢٣].

  وفي الحديث: «حربهم حربي، وسلمهم سلمي»، «أحبوا أهل بيتي لحبي»، وقوله ÷ في حديث زيارة قبور أهل البيت $ على تباعدها وتفرقها: «يريدون بذلك بري وصلتي ... إلخ»، وحديث: «من أحبهم فقد أحبني، ومن أبغضهم فقد أبغضني ...»، والحديث في هذا الباب كثير.

  وبعد، فإن المرء يحب الخير لذراريه ويسعى في حياته إلى فعل الأسباب التي يترتب عليها حصول الخير لهم بعد موته، ويحرص كل الحرص على تحقيق ذلك لهم، ويسعى في دفع أسباب الشر عنهم.