كتاب الوعد والوعيد
  خالق العقل، وسعة علمه وقدرته وحكمته.
  - وله مجال آخر غفل عنه البشر ولم يفتحوا بابه، وقد بعث الله تعالى الأنبياء والرسل À ليوقظوا الناس عن غفلتهم، ويفتحوا عيون قلوبهم إلى هذا المجال، وهذا المجال هو مجال العلم بالله وبجلاله وعظمته وقوته وقدرته والعلم بكتبه ورسله وملائكته، والعلم باليوم الآخر، وما فيه من حساب وجزاء وثواب وعقاب، ونعيم وجحيم.
  فدعا الله تعالى العقول للنظر في هذا المجال ليتعرفوا على أسباب السعادة في الدار الآخرة، فيكونوا بذلك قد جمعوا بين السعادتين الدنيوية والأخروية.
  وقد أراد الله تعالى من البشر فيما ابتكروه بعقولهم وتوصلوا إليه بنظرياتهم من أسباب السعادة في الدنيا أن يكون سبباً وطريقاً يوصلهم إلى السعادة في الدار الآخرة، ولكنهم أساءوا في فهم ذلك وفي استعماله، فجعلوا من ذلك التطور سبباً للفساد في الأرض، وإهلاك الحرث والنسل والتدمير والخراب: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ٧}[الروم].
  - نعم، وظيفة العقل التي خلقه الله تعالى من أجلها بالدرجة الأولى هي أن يكون وسيلة لصاحبه إلى الإيمان بالغيب، والمراد بالغيب هو ما وراء المادة المحسوسة.
  والذي وراء المادة هو خالق المادة، ومعرفة ما له من الجلال والكمال والقدرة والعلم، وما يستحق من التسبيح والتقديس والشكر والمدح والثناء على آثار رحمته وسعة نعمته وعمومها في مخلوقاته، ومعرفة ما توجبه حكمته فيما خلق من البعث والحساب ومجازاة المحسنين وعقاب المسيئين، والعدل والإنصاف بين الظالمين والمظلومين.
  - وقد بث الله تعالى في المحسوسات المادية المبثوثة في السماوات والأرض ما يدل دلالة واضحة للعقول على كل ذلك الغيب الذي حتم الله على أهل العقول الإيمان به والتصديق له.