قسم أصول الدين
  وعزز ذلك بأن بعث الأنبياء والرسل À ليدعوا العقلاء إلى الإيمان به، وأنزل لهم الكتب وبين لهم فيها الحجج البينات والآيات المبصرات، وصَرَّف لهم الدلالات، ونَوَّع لهم البراهين، وأوقفهم فيها على ما يزيح الشك وينفي الريب حتى لا يبقى لهم حجة، وحتى تنقطع معاذيرهم، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ٥٣}[فصلت].
  - وهذا العلم بالغيب الذي ذكرنا هو وظيفة العقل الواجبة عليه التي شدد الله تعالى في إيجابها وحتميتها، ولم يرخص فيها بل فرضها على أهل العقول فرضاً، وحتمها عليهم حتماً، وأكّد وشدَّد، ووعد وتوعد، وكرر الأمر بها وردّد، و ... إلى آخر ما ذكر الله في القرآن، وثنَّى وفصل وبيَّن، وأجمل وفصل، وخص وعم؛ تشديداً منه جل وعلا في الإيجاب وقطعاً للمعاذير {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ٤٢}[الأنفال].
  - أما نظر العقول في أسرار المادة، واستخراج منافعها المادية والانتفاع بها في شؤون الحياة الدنيا - فلم يحتمه الله ولم يوجبه، ولم يحرمه، بل أباح ذلك لعباده: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ...}[الأعراف: ٣٢]، {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ...}[البقرة: ٢٩]، {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ..}[المؤمنون: ٥١].
  ومن فضل الله على عباده أن سخر لهم الشمس والقمر والنجوم، والليل والنهار، والبحار والرياح والسحاب، وسخر الأنعام وذللها، ومهد لهم الأرض وسخرها، وأنزل لهم الحديد ومعادن الأرض، ويسر لهم التقلب في الأرض وعلى مناكبها، و ... إلخ، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ٣٤}[إبراهيم].
  - دلالة ما ذكرنا على الخالق الحكيم وعظمته وجلاله وعموم فضله ونعمته واستحقاقه للشكر والعبادة دون ما سواه هي دلالة واضحة لا تحتاج إلى