باب صفة الصلاة
  لذلك قلنا: إن المكلف يقدم ما يراه الأهم، وكل مكلف على حسب رأيه.
  ودليل ما ذكرنا هو دليل عقلي، فإن العقلاء يخصون الأهم بالتقديم على ما هو دونه في الأهمية، ويعدون من خالف ذلك ضعيف العقل والرأي.
  وقد جاء الشرع بتقديم الأهم فالأهم، ففي الحديث المشهور: من أحق الناس بحسن الصحبة يا رسول الله؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أبوك». وفي رواية قال: ثم من؟ قال: «أدناك أدناك». وقال تعالى: {قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}[البقرة ٢١٥]، وقال تعالى في سورة النساء: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ...} إلى آخر الآيات [النساء ٣٦]، فرتب الله تعالى في هذه الآيات الأهم فالأهم، وقد جاء في الحديث: «ابدأوا بما بدأ الله به»، ومثل هذا في الكتاب والسنة كثير.
  فإذا رأى المكلف أن أحد الواجبين أهم من الآخر، فقدم غير الأهم، وترك الأهم - فإنه يلام على تركه للأهم، وتصح صلاته.
  ولو أنه ترك الأمرين جميعًا: الصلاة والنهي عن المنكر - لاستحق اللوم على ترك الأمرين.
  فإذا ترك الأهم وفعل غير الأهم استحق اللوم على تركه لفعل الأهم، ولم يستحق اللوم على فعله لغير الأهم. هذا هو ما تقضي به شواهد العقول.
  وعلى قياس قول أهل المذهب: إن الصلاة لا تصح مع وجود المنكر وتكامل الشروط - أن المصلي يستحق اللوم والذم على أمرين: على تركه للنهي عن المنكر، وعلى فعله للصلاة؛ لأنه بفعلها مرتكب لمحظور.
  وإنما قلنا: إن المكلف يقدم فعل ما رآه أهم وأولى لأن المنكرات مختلفة، فبعضها عظيم وبعضها أعظم وأعظم، وبعضها صغير وبعضها أصغر.
  وعلى الجملة فهي تختلف نسبيًّا في الكبر والصغر؛ فالنظر إلى الأجنبية صغير