1 - دليل العقل
  وهكذا قد تسيطر المذاهب الخرافية المتصادمة مع حكم الفطرة الضروري الجازم، فمن أجل ذلك كان ينبغي أن لا يحتاج إلى نصب الأدلة في مثل ذلك، بل كان يكفي المكلف أن يرجع إلى نفسه ووجدانه في معرفة الخطأ والصواب هنا، غير أنه لا مانع من زيادة البيان فنقول:
  إن الله سبحانه وتعالى ذم قوماً أهملوا النظر والتفكير بعقولهم فقال جل شأنه: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ١٧٩}[الأعراف]، فذمهم الله تعالى هنا حين أهملوا أدوات الفكر وآلاته التي سوف توصلهم حتماً إلى معرفة الحق وتمييزه عن الباطل.
  وآلات الفكر المذكورة هنا هي: بصر العين وسمع الأذن وتفكير القلب، والمراد ببصر العين هو بصر الاعتبار لا البصر المجرد عنه، فإنهم قد كانوا بصراء، وكذلك المراد بالسمع، فعن طرق البصر والسمع يبصر القلب ويسمع ثم يستنتج ويحكم، وبهذا العمل الفكري يتميز الإنسان عن غيره من الحيوانات.
  فإذا أهمل الإنسان هذه الوظيفة فإنه عند الله تعالى وفي حكمه كالأنعام، بل أضل منها كما سمعت في الآية السابقة.
  وقال سبحانه وتعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ٧٨}[النحل]، ففي هذه الآية يعين الله تعالى الغاية التي من أجلها جعل للإنسان السمع والبصر والفؤاد، وهذه الغاية هي الشكر لله، والشكر لله يتمثل في الإيمان، ثم العمل الصالح.
  وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ١٩٠}[آل عمران]، وأولو الألباب هم أولو العقول، فمن أهمل التفكير في آيات الله فهو في حكم الله من أشباه الأنعام بل أضل.