من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

باب صلاة الجماعة

صفحة 128 - الجزء 1

  فبناءً على ذلك إن كان ثَمَّ عذر فلا حرج في المخالفة لما تضمنه الحديث، وإن لم يكن ثم عذر فالذي ظهر لي أنها لا تفسد الصلاة، وأن الذي يفسد في هذه الحال هو فضيلة الجماعة لا أصل الصلاة.

  والدليل على ذلك: أن الحديث ورد في بيان الذي هو أهلٌ لأن يؤم القوم، وأنهم إذا قدموه أدركوا فضيلة الجماعة، فإذا امتثل المسلمون هذا الإرشاد الذي أرشدهم إليه نبيهم ÷ فقدموا الأولى فالأولى أدركوا فضل صلاة الجماعة وثوابها المتضاعف، فإذا لم يلتزموا بهذا الإرشاد، بل خالفوه فاتهم فضل الجماعة وأضعاف الثواب المتضاعفة.

  هذا، وأما إذن الأولى بالإمامة لغيره بأن يتقدم للإمامة؛ فإن كان لعذر فلا بأس كتقديم الأب والعم ومشائخ العلم، وكتقديم الأخ الكبير وكبير السن الصالحين، وفي ذلك ونحوه من العذر ما لا يخفى؛ إذ لو لم يُقَدِّم الأَوْلى مثلَ هؤلاء لَنُسِبَ إلى سوء الأدب، ولفتح على نفسه باب القالة فيه، ولَوَجَدَ الجهال المجال مفتوحاً لهتك عرضه وأذيته.

  وأما تقديم الأولى لغيره لغير عذر فينبغي أن نقدم قبل ذلك بيان هل تَقَدُّمُ الأولى واستحقاقه للتقديم حق له أم حق لغيره؟

  فالذي يظهر أن التقدم حق للإمام؛ وذلك لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}⁣[السجدة ٢٤]، ففي هذه الآية يبين الله تعالى أنه أعطى هؤلاء الإمامة جزاءً وثواباً على صبرهم، فيكون على هذا أمرُ الإمامة حقاً لهم: إن شاءوا استوفوه، وإن شاءوا تركوه.

  هذا، وقد قدم الإمام الهادي يحيى بن الحسين ~ عَمَّهُ محمد بن القاسم @ للإمامة، وهكذا غيره.

  وقد رأيت في عصرنا هذا كثيراً من أهل العلم يقدم غيره بلا عذر ظاهر.

  ولكن هل إِذْنُ الأولى لغيره بالتقدم للإمامة مُخِلٌّ بفضيلة الجماعة أم لا؟