[اختلاف القضاة الذي ذمه أمير المؤمنين #]
  واستنكار علي # هذا استنكار في محله، وواقع على أهله، فالقضاة ليسوا بأهل للقضاء لجهلهم به، والوالي ليس بأحسن منهم في هذا الباب، فهو يشاركهم في الجهل وعدم المعرفة بفصل الخطاب؛ إذ لو كان القضاة وواليهم من أهل العلم بالقضاء لتراجعوا في القضية واستعرضوا مستندات كل قاض، وراجعهم الوالي في ذلك حتى يتبين الراجح من المستندات، ويتضح للجميع الصواب، ولكن لما لم يكن الوالي والقضاة من أهل العلم بالقضاء لم يستنكر الوالي عليهم، ولم يستنكر بعضهم على بعض.
  أما أهل العلم والتحقيق فإنه يستنكر بعضهم على بعض في المسائل التي يختلفون فيها في قديم الدهر وحديثه، ويتراجعون فيها، ويستعرضون المستندات من الكتاب والسنة والقياس، وما يلحق بذلك من أوجه الترجيح.
  وحينئذ فاستنكار علي # ليس فيه ما يخالف القول بأن كل مجتهد مصيب.
  - ويؤيد ما ذكرنا من أن المراد بكلام الإمام علي # هو استنكار ما عليه القضاة وواليهم من الجهل بالقضاء - ما روي في سيرة عمر بن الخطاب من الخطأ في أقضياته التي كان يصدرها عن رأيه المجرد التي لا يستند فيها إلى دليل شرعي، وكان الصحابة يراجعونه في الكثير من أقضياته، ويذكرون له الدليل فيتراجع، وكان علي # يراجعه أيضاً، ويذكر له الدليل فيتراجع، وقد راجعته امرأة في قضية فتراجع، وقال: (كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت)، ومن أقواله المشهورة في هذا الباب: (لولا علي لهلك عمر)، ولم يكن عثمان بأحسن من عمر في العلم بالقضاء.
  فإن في ذلك دليلاً على ما ذكرنا من أن استنكار علي # لم يكن إلا لما ذكرنا من جهل الوالي والقضاة.
  - أما أبوبكر فلم تطل أيام ولايته إلا أنه لم يكن أحسن من الرجلين في العلم بالقضاء، ودليل ذلك ما روي في سيرة أبي بكر من قوله في الكلالة، وفي ميراث الجد، وفي غير ذلك.