من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

التقليد

صفحة 289 - الجزء 3

  يُجوِّز الخطأ والصواب في تقليده، وقد رأينا الله تعالى ذم الذين وقعوا في الضلال عن طريق التقليد في آيات كثيرة: {... وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ}⁣[النحل: ٢٥].

  - النوع الثاني من أنواع التقليد فهو الاعتماد على قول العالم المجتهد في الأحكام الشرعية العملية الفرعية، وهذا النوع كما ذكرنا جائز بل واجب على المكلف العامي الذي لا قدرة له على الاستنباط واستخراج الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة.

  أما القادر على الاستنباط واستخراج الأحكام الشرعية من أدلة الكتاب والسنة فلا يجوز له مع ذلك التقليد، وذلك لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٤٣}⁣[النحل]، فأوجب الله تعالى على المكلفين الذين لا يعلمون أن يسألوا أهل العلم.

  - وقد قسم الله تعالى المسلمين إلى قسمين في قوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}⁣[المجادلة: ١١]، فجعل العلماء الذين أوتوا العلم قسماً رفعه درجات، وجعل المؤمنين قسماً.

  ـ فإن قيل: لم جاز التقليد في هذا القسم دون القسم الآخر؟

  قلنا: جاز في هذا القسم دون القسم الآخر:

  ١ - لأن معرفة الله تعالى حق معرفته ومعرفة ما يلحق بذلك من العقائد والأصول ممكنة لكل عاقل، وكل عاقل لا يحتاج كثير عناء للوصول إلى المطلوب من المعرفة والعلم، ولا يحتاج في تحصيل هذا العلم إلى القراءة والكتابة، بل هو متيسر للأمي والقارئ، وللعالم والجاهل، والبدوي والحضري.

  والذي يحتاج إليه في تحصيل هذا العلم هو توجه العقل والفكر للنظر والتأمل في آيات الله المبثوثة في الآفاق وفي الأنفس، وفي جميع المخلوقات.

  ٢ - ولما كان تحصيل العلم الإلهي بهذه الدرجة من السهولة والتيسر لكل عاقل حرم التقليد لأنه نقص وذلة، ولا يجوز أن يدخل المكلف في ذلك إلا عند الضرورة، ولا ضرورة في تحصيل هذا العلم لتيسره وسهولته كما ذكرنا.