من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

فائدة في حلق اللحية

صفحة 319 - الجزء 3

  ومما استدلوا به على تحريم حلق اللحية: قوله ÷: «إن آل كسرى يجزون لحاهم ويوفرون شواربهم، وإن آل محمد يأخذون شواربهم ويعفون لحاهم»، وليس في ذلك دليل على ما قالوا؛ إذ ليس فيه زيادة على الإخبار بما تضمنه الحديث.

  وآل محمد ÷ ويراد بهم هنا المسلمون مجازاً كانوا يعفون لحاهم قبل الإسلام وبعده، فإخبار النبي ÷ عنهم في هذا الحديث بإعفاء اللحى إنما هو إخبار عما هم عليه على مقتضى العادة.

  نعم، وهناك فرق بين هذا وبين الأوامر الشرعية الأخرى، فأوامر الشارع ونواهيه مبنية على اعتبار المصالح والمفاسد، وأوامر الآداب مبنية على محاسن العادات ومساوئها المجردة عن المصالح والمفاسد، كحلق اللحية وإعفائها، وجز الرأس وإبقائه، وجز الناصية ونحو ذلك، وهذا ما لم يرد قرائن تدل على الوجوب أو التحريم كلعن الواصلة والموتصلة والواشمة والنامصة والمتفلجات.

  ومن القرائن ما قد يعم كقول النبي ÷: «من تشبه بقوم فهو منهم»، وقد يؤخذ من هنا المنع من حلق اللحية، لا لأن الحلق محرم بل لما فيه من التشبه بالفساق ونحوهم.

  نعم، قد يؤيد ما ذكرنا أن بعضاً من أهل الأصول ذكروا أن من القرائن الدالة على أن الأمر ليس للوجوب - تقدم العلم بإباحة المأمور به، ذكروا ذلك في مثل قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}⁣[المائدة: ٢]، فحملوا الأمر هنا على الإباحة، وجعلوا القرينة الدالة على ذلك هي تقدم العلم بإباحة الاصطياد.

  هذا، وفي البحر: مسألة: وندب إعفاء اللحية، ثم قال في آخر المسألة: ويحرم حلق اللحية للبدعة. انتهى.

  ولم يستند في تحريم الحلق إلى الأحاديث المروية في الأمر بإعفاء اللحية، فلعل ذلك لما قلنا سابقاً من أن الأوامر الواردة في مثل ذلك ليست للوجوب.