[في الجهر بالدعاء]
  ولعل الدليل على رفع الدعاء في العشر: {... كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}[البقرة: ٢٠٠]، وقد كان المشركون في أيام الحج يعلنون بمفاخر آبائهم، ويجهرون بها في جماعات الحجيج، فأمر الله تعالى المؤمنين أن يذكروه في الحج كذكرهم لآبائهم حين كانوا مشركين، أو أشد ذكراً.
  وفي الاستسقاء وردت الروايات عن النبي ÷ أنه جهر بذكر الله تعالى والثناء عليه والدعاء.
  نعم، قد جاء الجهر بالدعاء في غير تلك المواضع الأربعة المتقدمة:
  ١ - في الصلاة الجهرية، وذلك أن الفاتحة تشتمل على الذكر لله تعالى والدعاء.
  ٢ - في القنوت في صلاة الفجر؛ فإنه مجهور به وهو دعاء وذكر.
  ٣ - في خطبة الجمعة؛ فإن المشروع فيها الجهر بذكر الله تعالى والدعاء.
  ٤ - في الدعاء لمؤدي الزكاة؛ فإن النبي ÷ كان يجهر به لمن يؤدي زكاة ماله، ومن ذلك: «اللهم صل على آل أبي رافع».
  ٥ - في وقت نشوب الحرب كما روي عن النبي ÷ يوم بدر.
  ٦ - الدعاء لقوم أو الدعاء عليهم لحدوث سبب كما روي من الدعاء للمحلقين ثلاثاً، ثم للمقصرين مرة واحدة، وكالدعاء لعلي # في مناسبات كثيرة، وكما روي من الدعاء باللعن على أبي سفيان ومعاوية والحكم بن أبي العاص وغيرهم.
  فمن هنا ينبغي لنا أن نقول: إن المشروع في الدعاء هو الإخفاء والسر إلا إذا دعت الحاجة والمصلحة إلى إظهاره؛ فإن لم يكن ثَمَّ حاجة ولا مصلحة فلا ينبغي إظهاره، وإسراره أزكى عند الله وأقرب للإجابة؛ لما فيه من الإخلاص، والانقطاع إلى الله.
  والذي يظهر من جهر النبي ÷ بالدعاء يوم بدر أنه من أجل الإعلام أن النصر ليس بيده ولا بيد جيوشه، وإنما هو من عند الله، وأنه في تلك الساعة أشد حاجة إلى الله، وأفقر ما يكون إليه؛ لهذا رفع يديه في الدعاء، وابتهل إلى الله حتى سقط رداؤه.