من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

باب قضاء الفوائت

صفحة 142 - الجزء 1

  وقد قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة ١٨٥]، وفي الحديث: «يسروا ولا تعسروا».

  نعم، كل ما ذكرنا يشهد لما قدمنا. وفي الحديث عن النبي ÷: «الإسلام يَجُبُّ ما قبله، والتوبة تَجُبُّ ما كان قبلها».

  هذا، والعقل يؤيد ما ذكرنا، فإن العقل قد يدرك المصلحة فيما ذكرنا، وذلك أن في الإلزام بالقضاء لما مضى تنفيراً عن التوبة والرجوع، ولا سيما إذا كان ذلك لعشرات السنين، أو الخروج من المال كله لتأدية زكاة الماضي.

  ويزيد ما ذكرنا تأييداً: ما ثبت في الأصول أن القضاء لا يلزم بالأمر الأول، بل يحتاج إلى أمر جديد، واستدلوا بأدلة على ذلك مذكورة هنالك.

  ولم يرد في ذلك إلا أمر الساهي والنائم بالصلاة، لا العامد، وفي الصيام ورد الأمر بذلك على المريض والمسافر والحبلى والمرضع، ولم يرد في قضاء العامد، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ٦٤}⁣[مريم].

  هذا، وقد يكون إنما ذكر الله تعالى الساهي والنائم والمريض والمسافر والحبلى والمرضع والحائض وأهل الأعذار لأن المسلم لا يُتصور ولا يُتوقع منه ترك الفريضة إلا لعذر أو على جهة الخطأ والنسيان، أما تركها عمداً وجرأة على الله فليس ذلك من صفاتهم؛ بل ذلك من صفات الكافرين والفاسقين، قال تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ٦ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ...} الآية [فصلت]، وقال تعالى عن أهل النار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ٤٢ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ٤٣ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ٤٤ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ٤٥ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ٤٦}⁣[المدثر].

  فمن هنا ذكر الله تعالى أحكام المؤمنين، وألزمهم تدارك ما فات بالقضاء، ثم ذكر تعالى أحكام الكافرين والفاسقين فدعاهم إلى التوبة ورغبهم فيها، فقال تعالى: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}⁣[الأنفال ٣٨]، وفي الحديث: «التوبة تجب ما قبلها».