[بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة ...]
  وهذا النوع قد يكون واحداً، وقد يكون جماعة يتعاونون على إظهار الحق ونشره، والدعوة إليه وبيان حجته.
  ولو أن الأرض خلت عن دعاة الحق وهداة الخلق، وغابوا عنها لقضي الأمر؛ لأن حجة الله تعالى حينئذ غير قائمة على المكلفين، ولن يؤاخذ الله تعالى يوم القيامة أحداً من المكلفين إلا إذا كان ممن بلغته في الدنيا حجة الله وبيناته، لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ١٥}[الإسراء].
  - وقد أخبر الله تعالى أن الناس يوم القيامة فريقان: شقي وسعيد، فقال سبحانه: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ١٠٣ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ١٠٤ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ١٠٥ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ١٠٦}[هود].
  - وقد علم أن الله تعالى لا يعذب أحداً إلا بعد الإعذار والإنذار في الدنيا، فإذا لم يحصل الإعذار والإنذار في الدنيا؛ فلا يحصل يوم القيامة الجزاء والعقاب للكافرين والفاسقين.
  - وبغياب الدعاة إلى الله عن وجه البسيطة تغيب الحكمة التي من أجلها جعل الله الحياة الدنيا، والحكمة هي ما أخبرنا الله تعالى بها في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦}[الذاريات]، وفي قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[الملك: ٢].
  وما حكاه الله تعالى من الحكمة في خلقه المكلفين في هذه الحياة الدنيا بقوله ﷻ: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ٣١}[النجم].
  فإذا غابت حجج الله وبيناته، وغابت الحكمة من خلق الأرض ومن عليها - فستنتهي الحياة على الأرض وتقوم القيامة؛ لأن الحياة على الأرض تكون حينئذ خالية عن الحكمة، وقد علم أن الله تعالى حكيم لا يفعل ما لا حكمة فيه.