من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

كتاب الجنائز وما يتعلق بها

صفحة 192 - الجزء 1

  يأمر بأن يحفر لكل ميت قبر على حياله، ونهى أن تجمع الموتى في قبر واحد، إلا يوم أحد فإنه رخص لهم أن يقبروا الاثنين والثلاثة في قبر واحد، وذلك لما كان فيهم من الضعف والجراحة.

  ودليل بناء المسجد في مثل ما ذكرنا: ما ذكره أهل المذهب من جواز نقل الميت لمصلحة دينية للحي أو للميت، وبناء المساجد من المصالح الدينية العامة.

  وأما بناء المساكن فوق القبور؛ فإذا دعت الضرورة القصوى إلى ذلك فيجوز بشرط أن ترفع القبور إلى مكان آخر كما ذكرنا أولاً، وكذلك ترفع القبور التي على طريق المسجد أو على طريق المساكن إلى مكان آخر يليق بحرمة القبور وكرامتها، وينبغي أن يقتصر من البناء على قدر الحاجة وقدر الضرورة.

  فإن قيل: ليس هناك ضرورة فيمكن لأهل القرية أن يبنوا لهم مسجداً ومساكن في مزارع القات ومزارع الحبوب، ويمكنهم أيضاً أن يخرجوا من قريتهم ويهاجروا إلى بلاد أخرى فأرض الله واسعة.

  قلنا: أهل القرية محتاجون إلى مزارعهم حاجة ضرورية، فهي أكبر مصادر رزقهم فلا يمكنهم الاستغناء عنها، ومغادرة الوطن والخروج منه أمر صعب مستصعب على النفوس، وقد قرنه الله تعالى بالقتل في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ...} الآية [النساء ٦٦]. والله سبحانه وتعالى لم يكلف عباده إلا باليسر؛ بدليل قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة ١٨٥]، وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}⁣[الحج ٧٨]، ونحو ذلك كثير.

  فالدليل في جواز بناء المساكن فوق القبور هو الضرورة والحاجة، والدليل على أن الضرورة والحاجة تجيز ذلك: قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٣}⁣[المائدة]، والمشهور عند علماء المسلمين وعامتهم أن الضرورة تبيح المحظورات.