فائدة في فضل زيارة القبور وما يقال فيها
  - وأما الزيارة المجردة عن الدعاء للأب فتجوز لغرض، كأن يخاف مذمة الناس إن تركها، أو أن يقولوا: انظروا إلى هذا المتدين كيف يدعوه تدينه إلى ترك زيارة أبيه، فيتسبب ذلك في تنفير الناس عن الاستماع إليه والقبول منه.
  - وبعد، فلا شك في جواز زيارة الأب الكافر أو الفاسق في حياته؛ لقوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}[لقمان ١٥]، {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[البقرة ٨٣]، فإذا مات الأب فالأصل جواز الزيارة استصحاباً للحكم الأول، ولم يظهر لنا ما يغير هذا الأصل، والآية إنما تمنع الاستغفار لأعداء الله.
  وحديث أن النبي ÷ قال: «استأذنت ربي في زيارة أمي فلم يأذن لي إلا ساعة ...» هذا معنى الحديث، فلعل ذلك كان من النبي ÷ في أول الأمر، فإنه ÷ كان قد نهى عن زيارة القبور ثم أمر بها بعد ذلك: «ألا فزوروها فإنها تذكر بالآخرة»، والحديث من المرويات الآحادية عند أهل السنة، ولا وجود له في أحاديث الزيدية.
  - زيارة القبور للعظة والاعتبار جائز على الإطلاق: سواء أكان أصحاب القبور مسلمين أم غير مسلمين، وقد يدل على ذلك قول الله تعالى في فرعون: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}[يونس ٩٢]، والممنوع كما يظهر لي هو أن يكون الباعث على زيارة القبر كونه عدواً لله، فإذا كان ذلك هو الباعث على زيارته فلا تجوز الزيارة.
  وتجوز الزيارة لقبر الفاسق والظالم لقصد الاعتبار أو للدعاء عليه، وقد روي أن الإمام عز الدين بن الحسن # لما وقف على قبر نشوان الحميري قال أبياتاً من الشعر يذكر فيها مكانته في العلم لولا النصب.
  أما زيارة القبور لطلب الثواب والأجر من الله فلا تكون إلا لعباد الله الصالحين، فإن في زيارتهم أجراً وثواباً، وقد كان النبي ÷ يزور أهل البقيع، ويقف طويلاً، ويدعو لهم، وزار ÷ شهداء أحد بعد مقتلهم بثمان سنوات،