من هم أهل المذهب
  غير أنها اختلفت تخاريجهم في بعض التفاريع والتفاصيل والتخاريج على حسب اختلاف أفهامهم، وهذه هي المرحلة الثانية للمذهب.
  ثم جاءت المرحلة الثالثة وهي شدة الفحص والبحث عن صحة ما جاء به أهل المرحلة الثانية في كل تفريع وكل تخريج من أول الفقه إلى آخره، فما وجدوه من ذلك مطابقاً لأصول الأئمة السابقين ولقواعدهم ولنصوصهم وضعوا عليه العلامة المعروفة(١)، وما لم يتطابق لم يضعوا عليه تلك العلامة.
  ولم يزل العلماء طيلة القرون الماضية يتحرون صحة ما قرره من سبقهم، فما وجدوه موافقاً لنصوص الأئمة الخمسة قرروه ووضعوا عليه علامة المذهب، وما لم يكن كذلك في نظرهم نسبوه إلى قائله، فيقولون: قال السيد المؤيد بالله، وقال أبو طالب، أو أبو العباس، وقال الفقيه فلان، أو الفقيه فلان ...
  فإن قيل: إنا نجد في كتب المذهب حكاية المذهب في مسألة ثم يحكي خلافها عن الهادي، فكيف تقولون: إن المذهب عبارة عن مذهب الهادي وجده وابنيه ومحمد بن القاسم؟
  قلنا: حينما نظر المحصلّون والمخرجون أقوال أولئك الأئمة الخمسة واستقرأوها تحصلوا منها على قواعد وأصول، فبنوا على هذه القواعد والأصول وجعلوها أساساً للتفريعات التي بنوها على تلك الأصول والقواعد، فما وجدوا بعد ذلك لأحد من الأئمة الخمسة من الأقوال مخالفاً لتلك الأصول والقواعد لم يعتمدوه ولم يقرروه.
  فإن قلت: كيف ساغ لهم أن ينسبوا ما قرروه للمذهب إلى مذهب الهادي في حين أن الهادي يخالف في بعض المواضع المقررة؟
  قلنا: ساغ لهم ذلك من حيث إنهم رأوا الهادي مثلاً بعد استقراء كلامه يعتمد
(١) هكذا: ... ±.