من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

كيف يفتى العامي الصرف

صفحة 30 - الجزء 1

  وقد احترزنا بقولنا صحيحاً عن بعض المذاهب التي تُخَرَّجُ للأئمة وتُفَرَّعُ على مذاهبهم، فإنها لا تكون حينئذٍ مذاهب لهم، وذلك أن التخريج قد يكون صحيحاً وقد لا يكون صحيحاً، وقد يريده الإمام وقد لا يريده، فإذا أفتينا العامي بما كان كذلك احتمل الحال أنا أفتيناه بما لا يجوز ولا ينبغي.

  فإن قيل: السؤال من العامي للمفتي التزام لمذهب المفتي، كما يشير إليه قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٧}⁣[الأنبياء].

  قلنا: الآية تشير إلى أنه يجب على المستفتي أن يعمل بما أفتاه به المفتي، وليس فيها إشارة إلى أنه يجب على المفتي أن يفتيه بمذهبه أو بالمذهب أو بمذهب معين.

  فإن قيل: إن المستفتي إنما اختار هذا المفتي من بين سائر العلماء من أجل أن يفتيه بمذهبه نفسه لا بمذهب غيره.

  قلنا: المستفتي إنما يختار المفتي لثقته فيه وحسن ظنه به؛ لأنه أعلم من غيره في نظره، أو لزهده وورعه، أو لعبادته وعفته، ولاطمئنانه إلى أنه لا يفتيه إلا بمذهب صحيح يعذر به عند الله تعالى.

  هذا، وفي مذاهب أئمة أهل البيت $ ما يعذر به المقلد لهم عند الله تعالى؛ لقوله ÷: «أهل بيتي كالنجوم كلما أفل نجم طلع نجم»، وقوله ÷: «تعلموا منهم ولا تعلموهم»، «أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى»، وقوله ÷: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»، وغير ذلك من الأحاديث التي لا تحصى لكثرتها.