من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

تحرك الساكن

صفحة 310 - الجزء 1

  يتخلص من وساوس النفس، والذي في استطاعته هو مدافعة التفكير والوساوس، فإن لم يدافع بل انساق مع التفكير، وأنس بالوساوس - فهذا حكمه حكم المتعمد، فإن دافع فلا حكم عليه، وكل هذا الذي ذكرنا هو مدلول عليه بما ذكر من الآيتين السابقتين.

  سؤال: قد قال أهل المذهب: «إنّ في تحرك الساكن شاة» بالنسبة للمُحْرم، وكثيراً ما يتحرك الساكن في حال الإحرام ولا سيما الشباب، فكيف تقولون في ذلك؟

  الجواب والله الموفق: أن تحرك الساكن - كما يظهر لي - إذا كان لغير سبب متعمد لا يلزم المحرم فيه شيء، وكذا إذا كان لغير سبب أصلاً؛ بدليل قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}⁣[البقرة ٢٨٦]، {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} الآية [الأحزاب ٥]، وتحرك الساكن يأتي كثيراً لغير سبب، وإنما يحصل بمجرد طبيعة الجسم، وليس في وسع المكلف أن يتخلص من ذلك، وقد يحصل تحرك الساكن من حديث النفس، ولا يستطيع الإنسان أن يتخلص من كثير من حديث النفس، فإذا كان تحرك الساكن حاصلاً من حديث النفس الذي لا يستطيع المكلف التخلص منه فلا يلزم فيه شيء.

  والذي يلزم فيه شاة من تحرك الساكن هو أن يتحرك بسبب متعمد من المحرم كالنظر لشهوة، والتقبيل لشهوة، والضم لشهوة أيضاً، أو أن يتعمد المحرم الوسوسة فيما يثير الشهوة، هذا ما ينبغي أن يكون هو المراد عند أهل المذهب.

  والدليل الذي يدل على تحريم ذلك في الحج قوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}⁣[البقرة ١٩٧]، والرفث: هو الكلام الذي يكون مقدمة للوطء بين الزوجين، فيلحق به سائر مقدمات الوطء من التقبيل والغمز والضم والنظر؛ لاشتراك الجميع في الدعوة إلى الوطء، وإثارة الشهوة.

  والدليل على اعتبار هذه العلة استقرائيٌّ، وهو أنا رأينا الشارع يحرم على المحرم كل سبب يدعو إلى الوطء؛ فحرم الزينة والطيب، وحرم عقد النكاح والرفث، وإلى آخر ما يذكر في هذا الباب.