فائدتان في الحج
  تصح فيها النيابة، ولا يشترط في النافلة مثل ما يشترط في حج الفريضة من اليأس من القدرة على الحج بالنفس، وذلك أن الله تعالى أوجب على المستطيع أن يحج بنفسه في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، لذلك فلا تصحّ النيابة ولا تجزي إلا عند عدم الاستطاعة واليأس منها.
  وهذه العلة غير موجودة في النافلة فلا يجب على المحجوج عنه أن يحج بنفسه.
  وبعد، فإن المعهود في الشرع أنه يتساهل في النوافل ما لا يتساهل في الفرائض، وذلك كالنافلة على الراحلة حيث توجهت به، وكالنافلة من قعود، وكنافلة الصدقة فإنها تصح في غير الأصناف الثمانية، وتصح للكافر غير الحربي.
  ثم إن الذي يظهر أنه يصح أن يتبرع المسلم بأي نافلة: من صلاة وصيام وصدقة وحج وعمرة وذكر وتلاوة قرآن وتعليم العلم وإرشاد الضال وقضاء حاجة مؤمن وغير ذلك من أنواع البر إلى من يشاء: من والد أو ولد أو أخ أو قريب أو بعيد إذا كانوا مؤمنين، أو إلى أرواح النبي وأهل بيته ÷ وذلك بأن ينوي قبل الشروع في الفعل: أنه متبرع بثوابه لفلان صلة وبراً وصدقة، ويجزي أن ينوي أن هذه الركعتين عن فلان.
  ويمكن أن يدل على ذلك ما جاء في القرآن والسنة من الحث على الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، وقد حكى الله تعالى عن الملائكة فقال سبحانه: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ٧ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ٨ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ...} الآية [غافر]، فإن ذلك يدل على أن المؤمن ينتفع بدعاء غيره؛ فتكفر عنه السيئات وينال بذلك الحسنات، والأعمال الصالحة مثل الصلاة وغيرها هي من باب الدعاء في المعنى أو هي أبلغ، وذلك أن الذي يصلي عن فلان مثلاً ركعتين ترجمتها ومعناها: التوسل إلى الله والرغبة إليه في أن يزيد في حسنات فلان، ويكفر عنه سيئاته، ويرفع درجاته.