من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[كتاب الحج والعمرة وما يلحق بهما من أحكام]

صفحة 366 - الجزء 1

  ولا فرق بين الدعاء والاستغفار وبين فعل الصلاة وغيرها إلا أن ذاك ترجمة لفظية وهذه ترجمة فعلية، يجمعهما التوسل إلى الله والرغبة إليه في أن يغفر لفلان ويزيد في حسناته.

  يبين ذلك ويوضحه أن الله تعالى قد سمى العبادة دعاءً في آيٍ كثيرة، كقوله تعالى: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ١٨}⁣[الجن]، {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ٦٠}⁣[غافر].

  نعم، ما تصدق به المؤمن إلى روح أخيه المؤمن من عباداته فإنه لا ينقص عليه شيء من ثوابها، بدليل ما جاء في الحاج عن غيره، من أنها تكتب ثلاث حجج: للحاج، وللميت، وللموصى إليه، بل الظاهر أنه يكتب له ثواب البر والصلة، الحسنة بعشر أمثالها، فيكتب بدل الحجة عشر حجج، هذا مع القبول، ويضاعف الله تعالى أكثر من ذلك لمن يشاء.

  وهذا إذا كان الفعل على جهة البر والصلة والصدقة، أما إذا كان الحج بأجرة فلا يكتب له إلا حجة واحدة كما في الأثر؛ لأنه لم يفعل ذلك على جهة البر والصدقة والصلة، وإنما فعله بالأجرة وقد استوفى في الدنيا أجرته، وكتب الله تعالى له حجة واحدة تفضلاً منه ورحمة.

  أما الفرائض البدنية فبابها أضيق، فلا يصح أن يؤدي أحد عن أحد فريضة بدنية كالصلاة، إلا الحج فإنه قد صح في الرواية عن النبي ÷ جواز النيابة فيه.

  وقد اختلف العلماء في الصيام: فأجاز بعضهم النيابة، وأبى آخرون.

  أما الفرائض التي تتعلق بالأموال والمعاملات فتصح النيابة فيها، وقد قال العلماء: إن كل ما يجوز للمكلف فعله بنفسه فإنه يجوز له أن يوكِّل فيه، وقد استثنوا من هذه القاعدة أشياء - فيما أظن - كإحياء موات الأرض والاصطياد ونحوه، والذي يترجح لي: أن التوكيل في ذلك جائز؛ بدليل ما روي أن بعض الصحابة اشتركوا فيما سيحصل لهم من الغنائم في يوم بدر.