باب الوضوء
  ويصحّ أن تكون النية لتحصيل الشرط الذي أمر الله به للصلاة، وأن تكون النية للصلاة التي قام من أجلها.
  وبناءً على هذا فيصلي بهذا الوضوء تلك الصلاة التي قام إليها، فإذا حضرت الصلاة الأخرى فيتوضأ لها إن أحب - على جهة الاستحباب - وضوءاً خفيفاً كما في الرواية عن علي #، وإن أحب صلى من دون تجديد الطهارة؛ إذ ليس مُحْدِثاً، والآية خطاب للمحدثين كما روي.
  استدلال ثان: الوضوء جمع بين شيئين: كونه عبادة مستقلة، وكونه شرطاً للصلاة.
  أما كونه عبادة مستقلة، فلنحو: «الوضوء شطر الإيمان».
  وأما كونه شرطاً للصلاة، فلنحو: «لا صلاة إلا بطهور».
  فمن حيث إن الوضوء عبادة مستقلة فيكفي نيتها كسائر العبادات، ومن حيث كونه شرطاً للصلاة فلا يحتاج إلى نية كسائر شروط الصلاة كستر العورة وغسل النجاسة.
زيادة بيان:
  مما قد يدل أيضاً على أن الوضوء عبادة مستقلة قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ٢٢٢}[البقرة]، وقوله تعالى في آية الوضوء: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}[المائدة ٦]؛ إذاً فالأمرُ بالطهارة - كما في آية الوضوء - والإعلامُ بأنه تعالى يريدها، ويحب فاعلها، كل ذلك دليل على أنها عبادة في نفسها. وأما أنها شرط للصلاة: فلا خلاف في ذلك.
  فإن قيل: ستر العورة كذلك، فالله تعالى قد أمر به في قوله: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف ٣١]، ولا خلاف أنه يحبه ويريده، فيكون عبادة مستقلة؛ وعليه فتجب فيه النية، وكذلك غسل النجاسة والسواك.
  قلنا: هناك فرق:
  ١ - الوضوء طهارة حكمية شرعية، وغسل النجاسة طهارة حسية عقلية،