من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

حقيقة البيع

صفحة 22 - الجزء 2

  قلنا: ليس ذلك من المعاونة على الإثم والعدوان المنهي عنها؛ بدليل معاملة النبي ÷ والصحابة لليهود بالبيع والشراء مع تصرفهم في الربا والخمر والصد عن سبيل الله.

  يزيد ما ذكرنا بياناً: أنه مما لا شك فيه أن الله تعالى أباح للظالم والفاسق والمؤمن والكافر أن يتملك ما يشاء بما في ذلك الدفاتر والأقلام، وحرم سبحانه على عباده الظلم، فإذا صدر منه الظلم عاقبه الله تعالى على الظلم دون تملكه وشرائه للقراطيس والأقلام، فبيع القراطيس وشرائها وكذلك الأقلام لا يعاقب عليه البائع ولا المشتري، وإنما يكون العقاب على الظلم لا غيره، ولا ظلم في البيع والشراء.

  ومن الأدلة على ذلك ما فعله أمير المؤمنين # يوم صفين حين استولى أصحابه على الماء فأمرهم علي # بأن لا يمنعوا أصحاب معاوية عنه، فلم يكن ذلك من علي # معاونة لمعاوية وأصحابه، ولا تقوية لهم على العدوان.

  هذا، ويمكن أن يستدل على ذلك بخلق الله تعالى للمخلوقات، وتمكينه سبحانه وتعالى للمكلفين من الانتفاع بها، فلم يكن ذلك معاونة من الله لمن استعملها في الإثم والعدوان، وتوصل بها إلى الظلم والعصيان، ولو كان ذلك معاونة لما فعله الله؛ لأنه سبحانه وتعالى لا يفعل القبيح ولا يريده ولا يشاؤه، وأفعاله كلها حسنة.

  نعم، قد استثنى العلماء بيع آلات الحرب إلى المحاربين والبغاة، فقالوا: لا يجوز بيعها إليهم.

  هذا، وبعدُ، فإن ما ذكرناه لم يخرج عما تعرفه العقول؛ فإن الأنظمة الدولية اليوم تسير على وفق ما ذكرنا من التفصيل، فتراها تحرّم بيع الأسلحة إلى العدوّ في حين أنها لا ترى فيما سوى ذلك بأساً.