من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

حقيقة البيع

صفحة 38 - الجزء 2

  حرم شيئاً حرم ثمنه، ومن أدلة ذلك ما روي عن النبي ÷ أنه قال: «لعن الله اليهود لما حرم الله عليهم الشحوم جَمَلُوها - أي: أذابوها - فباعوها وأكلوا أثمانها» أو كما قال، وهناك روايات في تحريم ثمن الكلب والخمر وغيرهما.

  هذا، والحق أن الدليل الذي يدل على تحريم الشيء يدل بنفسه على تحريم الثمن، وأهل الأصول يسمون الدليل الذي يدل على ذلك (عموم المقتضي) فيقولون في نحو: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}⁣[المائدة ٣]: إن ذلك يدل بعموم المقتضي على تحريم الأكل والبيع والشراء والتملك وسائر الانتفاعات التي يمكن أن تحصل.

  وبما ذكرنا يتبين أنه لا يجوز أكل المال الحاصل من أثمان ما حرم الله تعالى، ولا يجوز تملّكه ولا الانتفاع به.

  أما السؤال عن كيفية التخلّص من تبعاته: فاعلم أن الله تعالى قد يسر طريق التوبة وسهلها لعباده رحمة بهم، فقال سبحانه وتعالى في بيان توبة أكَلَة الربا: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ٢٧٥}⁣[البقرة]، فعفا الله سبحانه وتعالى عن أكلة الربا ما كانوا أخذوه من الربا إذا تابوا وانتهوا عن أخذ الربا.

  ولم يوجب عليهم أن يتصدّقوا بما في أيديهم من الأموال أو أن يردوها إلى أصحابها، وإنما أمرهم تعالى بأن يتركوا ما عند الناس من زيادة الربا ويأخذوا رؤوس أموالهم لا غير، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا}⁣[البقرة ٢٧٨]، {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ٢٧٩}⁣[البقرة].

  وبناءً على ذلك فنقول: إن هذا الرجل الذي كان يتّجر في المخدرات حكمه في توبته كحكم أكلة الربا إذا تابوا؛ فإذا تاب هذا الرجل حين بلغته مواعظ المرشدين وانتهى عن تجارته المحرمة فله ما سلف وأمره إلى الله، ولا يلزمه أن يتصدق بما كان اكتسبه قبل التوبة، وصدق التوبة والندم كافٍ في خلاصه إن شاء الله. هذا ما ظهر