[حكم توصيل أمانة لمن يستعملها في حرب الدين]
  الجواب ومن الله التوفيق: أنه لا يجوز لحامل الأمانة المذكورة في السؤال أن يوصلها إلى الجهة المحاربة للإيمان والدين؛ لما في ذلك من تقوية الباطل والمبطلين ولقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة: ٢]، وتعين على حامل الأمانة واحدٌ من أمرين:
  ١ - إما أن يردها إلى صاحبها الذي أعطاه إياها.
  ٢ - وإما أن يحبسها عنده حتى يأتي صاحبها الذي أعطاه إياها.
  فإن قيل: هلا قلتم: وله أن يعطيها في صالح الدين وتقوية جانبه وإعزاز الحق والمحقين؛ لأن الله تعالى حين نهى عن التعاون على الإثم والعدوان أمر بالتعاون على البر والتقوى، وتقوية الدين وإعزازه من أعظم أنواع البر والتقوى.
  قلنا: قد شدد الله أمر الأمانة فقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[النساء: ٥٨]، وفي الحديث: «الأمانة مؤداة إلى البر والفاجر».
  والمشهور في السيرة: أن النبي ÷ حين هاجر من مكة إلى المدينة ترك علياً # في مكة ليرد الأمانات التي كانت عند النبي ÷ إلى أهلها، وكان أهل الأمانات يومئذ مشركين.
  - وقد نهى الله تعالى عن الخيانة وذم أهلها في القرآن الكريم، بل إنه لا تجوز خيانة الأمانة ولو كانت لكافر حربي، وذلك لأن حملك لأمانة الكافر الحربي ورضاك بحملها له يعتبر تأميناً لماله.
  وقد تقرر عند علماء المسلمين منذ عهد الصحابة أن أي واحدٍ من المسلمين أشار إلى كافر حربي فأقبل إليه بإشارته أن ذلك يعتبر تأميناً له ولما معه من المال من سلاح أو غيره فلا يجوز لأحد أن يتعرض له ولا لما معه، ثم عليهم أن يردوه إلى مأمنه؛ فإن في هذا دليلاً على ما ذكرنا من حرمة الأمانة ولو كانت لكافر حربي.
  فإن قيل: هل يجوز للوالي أو لغيره من المسلمين أن يغتصب الأمانة على حاملها لأنها من مال المحاربين؟