من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[حكم الجعالة على الكفالة في ثمن مبيع]

صفحة 134 - الجزء 2

  ومن هنا قال الله سبحانه وتعالى: {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}⁣[الشورى ٢١]، وفي الحديث: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، «خذوا عني مناسككم»، وقال تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ}⁣[الحج ٦٧].

  فإن قيل: إن الكفيل يأخذ الأجرة والجعالة في غير مقابل، فيكون أكله لها مما نهى الله تعالى عنه في قوله: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}⁣[النساء ٢٩].

  قلنا: لم يأكل الكفيل هنا الأجرة بدون مقابل، وإنما أكلها مقابل الضمان والالتزام الذي قد يلحقه بسببه الكثير من التعب والنصب، وقد يغرم أخيراً ما تكفل به، ومن هنا جاء في الحديث المروي عن النبي ÷: «الخراج بالضمان».

  ومعنى الحديث والله أعلم: أن المشتري إذا رد المبيع إلى البائع بسبب عيب ظهر له مثلاً، وقد كان استفاد قبل رده شيئاً من الفوائد فإنها تطيب له ولا يلزمه ردها، وذلك إلى مقابل ضمانه للمبيع، فإنه لو تلف في يده قبل رده إلى البائع لتلف من ماله دون البائع؛ ففي هذا الحديث دليل على أن الضمان يقابل بالمال.

  وبناءً على ما تقدم فقد تكون الإجارة صحيحة وقد تكون فاسدة، فتكون صحيحة إذا كانت الأجرة على مجرد الضمان والالتزام من دون نظر إلى ملاحقة المكفول عليه ومتابعته، وتكون فاسدة إذا كانت على الضمان مع متابعة المكفول عليه وملاحقته.

  ووجه فسادها فيما ذكرنا هو جهالة مقدار المتابعة والملاحقة.

  فإن قيل: إذا كانت الإجارة فاسدة فيجوز للكفيل أن يفسخ، وإذا فسخ بطلت الكفالة، وفي ذلك من الضرر على المكفول له ما لا يخفى من مماطلته في ماله أو ضياعه أو ضياع بعضه.

  قلنا: إذا فسدت الإجارة هنا فلا يفسد الضمان، وإنما المراد أنها إذا فسدت الإجارة وحصل النزاع فإن الكفيل لا يستحق الأجرة المسماة في العقد، وإنما يستحق على قدر عمله وأجرة مثله.