من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[أكل الرجل من ثمرة بستان صاحبه]

صفحة 258 - الجزء 2

  وقد يجري العرف بالتسامح والرضا للقريب والصديق دون غيرهما، ويجري العرف في مقدار دون مقدار، وقد يجري العرف في ثمر دون ثمر؛ فجري العرف بشيء من ذلك ونحوه طريق إلى حصول الظن برضا صاحب البستان ونحوه؛ فإن لم يجر عرف خاص بالرجل أو عام لأهل البلد فلا ينبغي الإقدام.

  سؤال: إذا كان الرجل قد أكل من بستان رجل، وبستان آخر، وبساتين آخرين، وتكرر منه ذلك في أعوام كثيرة، وحين كبر الرجل أراد أن يتخلص ويبرئ ذمته فماذا يلزمه؟ مع العلم أنه يظن ظناً قوياً أنهم سيسامحونه إذا أخبرهم.

  الجواب: إذا جرى العرف بين أهل تلك البلاد أنهم لا يتسامحون في أن يأكل الصغار أو الكبار من ثمار بعضهم البعض، ولكنهم إذا أكل بعضهم من ثمار بعض لا يطالبون بالقيمة ولا يأخذونها، ولم يجر لهم عادة بأخذ القيمة ولا المطالبة بها، ويكتفون من الآخذ أن يكف عن الأخذ، وكان الآخذ إنما يأخذ في بطنه لا غير، وكان يظن ظناً قوياً أنهم يسامحونه لو أخبرهم ففي مثل ما ذكرنا يكفيه التوبة والكف، ولا يحتاج إلى أن يخبرهم ويتسامح منهم.

  وهناك حالة لا يجب فيها أن يتحلل من صاحب البستان، وهي أن تجري العادة في المحلة بأن من أخذ شيئاً يسيراً من ثمرة صاحبه أنه لا يتحلل ولا يتسامح منه؛ لأنه حقير في عرفهم لا يتجاسرون على أن يتسامحوا فيه.

  وخلاصة هذا الباب أنه يرجع فيه للعادة والعرف، ويكتفى فيه بعرفهما.

  ولا يحتاج إلى أن يتحلل من صاحب البستان، بل لا ينبغي أن يتحلل من صاحب البستان؛ لأنه يعرض نفسه بذلك للقالة، كأن يقول: انظروا إلى فلان إنه يري الناس بما فعل أنه متحرٍ ومتورع غاية التحري والورع و ... إلخ؛ فيصير بذلك أضحوكة وهزؤاً.

  نعم، العرف الذي عليه أهل بلادنا أن صاحب البستان إذا رأى من يأكل من ثمرة بستانه فإنه يكتفي بطردهم، ولا يأخذ ما في أيديهم، و لايطلبهم أن يردوه بل يتركه لهم.