من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

كتاب الأيمان والكفارات والنذور

صفحة 299 - الجزء 2

  وقبول من الآخذ، ويوثق ذلك بالشهادة، فإذا حصل ذلك تمت المعاملة، فحصل في ذلك جميع أسباب الملك من الإيجاب والقبول والقبض والإشهاد.

  وإثم المعطي وعصيانه لا يمنع من الصحة، وإنما يمنع من حصول الثواب.

  فإن قيل: قد مدح الله تعالى الأنصار في إيثارهم المهاجرين بالطعام مع شدة حاجتهم إليه، فقال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}⁣[الحشر ٩]، ومدح علياً وفاطمة وابنيهما في قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ٨}⁣[الإنسان]، وروي ما معناه وقد سئل ÷ عن أفضل الصدقة فقال: «جهد من مقل»، وكل ذلك يدل على خلاف ما قلتم.

  قلنا: ما ذكرتم وارد فيما إذا أحاطت الضرورة والشدة بالمعطي والآخذ، وتماماً كما كان عليه الأنصار والمهاجرون في المدينة في أول الإسلام، فإن المهاجرين هاجروا مع النبي ÷ إلى المدينة بنفوسهم بلا مال ولا طعام، وكثروا في المدينة، فسخت أنفس الأنصار بإطعامهم مع شدة حاجتهم إلى الطعام، فكان أحدهم يؤثر بطعامه المهاجر ويبيت جائعاً، فمدحهم الله على ذلك، وهذه حالة خاصة أرفع من الصدقة.

  ومثالها: أن يسوق إليك الجوع أخاك ويوصله عندك يلتمس برك به وعطفك عليه بما يسد بعض جوعته، فيحسن بك إن كنت له أخاً أن تسد بعض جوعته بما عندك من طعام وإن بت جائعاً، وهكذا كان الصحابة.

  وعلى مثل ذلك فعل علي وفاطمة وابناهما $، فإنهم أعطوا طعامهم المسكين واليتيم والأسير الجائعين وباتوا بلا طعام؛ كرماً منهم وسخاءً وعطفاً ورحمة بالسائلين المضطرين، وهذا هو جهد المقل الذي ورد به الحديث.

  - هذا، وأما ما ذكرناه أولاً فهو في غير حالة الضرورة.