باب في المساجد
فائدة في الترغيب في بناء المساجد، وفي الصدقة:
  «من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة».
  «تصدق ولو بظلف محرق».
  «اتقوا النار ولو بشق تمرة».
  من المعلوم أن مفحص القطاة لا يصح جعله مسجداً، وكذا التصدق بظلف محرق، ويقرب من ذلك التصدق بشق تمرة، لذلك فنقول:
  إن مثل هذا الكلام مبني على المبالغة في الترغيب في بناء المساجد وفي الصدقة، وأن لا يتهاون أحد أو يرغب عن الصدقة بالقليل، أو عن بناء مسجد صغير، من غير أن يكون للشارع قصد وإرادة للظلف المحرق أو مقدار مفحص قطاة؛ إذ من المعلوم أنه لا نفع في ذلك.
  أما قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ٧ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ٨}[الزلزلة]، فيحتمل أنه من هذا الباب، أعني باب المبالغة، فيكون المقصود منه الترغيب في الخير والتحذير من الشر، وأن لا يتهاون المرء بشيء من الخير والشر وإن قل.
  ويحتمل أن المراد ما يقدر من الخير والشر بالمثقال؛ فمثال الخير أنه يكتب للزارع مع النية الصالحة ثواب ما أكله الطير والإنسان والحيوان من مزرعته كما في حديث: «ما زرع أحد زرعاً فأكل منه إنسان أو بهيمة أو طير إلا كان له به صدقة»، أو كما قال؛ فقد يأكل الطير حبة أو حبتين فيكتب له بذلك صدقة، والحبة هي - تقريباً - مثقال ذرة.
  ومثال الشر: أن تسلب الذَّرَّةَ حبتَها أو نحو ذلك. ويصح التمثيل بإماطة الشوكة عن الطريق، والكلمة الطيبة، وإرشاد الضال، ونحو ذلك مما تقل كلفته، ولا يصعب عمله، وعلى كلٍّ من التقديرين فالمعنى أن كل مكلف سيكتب عليه وله ما عمل من شر وخير ولو بلغ الغاية في القلة.