من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

حكم البصائر التي مات كاتبها وشهودها

صفحة 355 - الجزء 2

  أو غيرهم على شيء من ماله، وقد يعيش صاحب البصيرة خارج وطنه، أو أن عادة صاحب البصيرة أن يشتري المال في أي بلاد ثم يشركها، أو نحو ذلك مما يستدعي خروج المال من اليد كما يفعله العلماء المشتغلون بالعلم، فإنهم قد يتكسبون شيئاً من المال ثم يسلمونه إلى أحد الزراع شركاً؛ فاللازم حينئذٍ على الحاكم هو العمل بالبصيرة التي تثبت الحق وإن كان الحق في غير يد صاحب البصيرة.

  وهذا إذا كانت البصيرة صحيحة بأن يكون الخط معروفاً والشهود عدولاً، ويكفي الحاكم الظن في صحتها؛ إذ لا يمكن الوصول إلى العلم بذلك.

  فإن قيل: كيف يصنع الحاكم حينئذٍ؟

  قلنا: يطالب الحاكم صاحب اليد الثابتة على المتنازع فيه بإبداء أسباب الملك لذلك المتنازع فيه، وذلك إما شهادة عادلة، أو وثائق تحمل شهادة عادلة ذات خط معروف، فإن أبدى صاحب اليد ما يفيد الملك: إما شهادة وإما بصيرة - كان العمل عليها هو الأولى؛ وذلك لانضمام ثبوت اليد إلى البصيرة، وترك حينئذٍ العمل بالبصيرة التي بيد المدعي، وهذا فيما إذا تعارضت البصيرتان.

  وأما إذا لم تتعارض البصيرتان كأن تكون بصيرة المدعي ناطقة بأن المدعي قد اشترى ما احتوت عليه من صاحب اليد، ولم يبد المنكر ما يعارض ذلك - فإن العمل بها حينئذ هو الأولى.

  والخلاصة: أن اللازم على الحاكم هو اعتبار البصيرة الصحيحة المعروفة الكاتب والشهود وإن لم ينضم إليها ثبوت يد، ويجب عليه إجراؤها مجرى الشهادة الحية، وتنزيلها منزلتها إلا أنها أضعف قليلاً، فتنزل منزلة الشاهد الواحد على الأقل، فتحتاج حينئذٍ إلى أن يعززها المدعي بيمين، أما إهدارها تماماً فلا ينبغي؛ لأنه خلاف المعلوم من سنة المسلمين قديماً وحديثاً؛ فقد كان الرسول ÷ يبعث بالرسائل المكتوبة لتبليغ الدعوة إلى الله، كما في رسائله ÷ إلى ملك الفرس وملك مصر وملك الروم، وملك الحبشة، و ... إلخ.