[حكم وجود وثائق بعد التصالح والرضا بين الخصمين]
  الجواب وبالله التوفيق: الذي يظهر لي: أنه لا يحق للخصم المطالبة لخصمه بعد التصالح والرضا بينهما على أمر.
  ودليل ذلك: أن رضا الخصمين بالصلح ودخولهما فيه عبارة عن أن كلاً منهما رضي بما صار إليه بالصلح وتنازل لخصمه عما سواه.
  وإذا وقع الصلح على ذلك وتم به الرضا بشهادة الشهود العدول فهو صلح صحيح، والصلح الصحيح لا ينقضه إلا التصالح على نقضه.
  - وكل صلح جرى بين المسلمين فهو صحيح وجائز إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً فإنه غير صحيح، وبهذا المعنى صحت الرواية عن النبي ÷.
  - ولا سبيل إلى نقض ما صح من الصلح، وإلا لما صح صلح ولا استقر؛ لجواز أن يدعي أحد المتصالحين أنه ظهر له بعد الصلح ما يدل على أنه يستحق أكثر مما جرى به الصلح.
  وبعد، فالصلح أقوى من الحكم:
  - لأنه مبني على رضا الخصمين بما وقع عليه الصلح واقتناعهما بذلك.
  - أن الله تعالى يقول: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}[النساء: ١٢٨].
  - أن الصلح يملك كلاً من المتنازعين ما صار إليه في الظاهر والباطن؛ لابتنائه على الرضا، بخلاف الحكم فإنه لا يثبت الملك للمتخاصمين إلا في الظاهر.
  - وإذا كان الحكم الصحيح لا ينقض في الجملة فبالأولى الصلح.
  - وقد قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة: ١].
  فإن قيل: إذا انكشف بعد الحكم دليل قاطع على خلافه فإنه ينقض، فكذلك الصلح إذا انكشف بعد وقوعه دليل قاطع على خلاف ما وقع عليه الصلح.
  قلنا: إنما نقض الحكم إذا خالف الدليل القاطع لأنه انكشف أنه باطل من أصله، أما الصلح فلا يبطله ظهور دليل قاطع؛ لأنه مبني على رضا الخصمين كما قدمنا، والرضا أقوى طرق التمليك أو من أقواها.