من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[العمل بالصلح أو التراضي بعد صدور حكم في القضية]

صفحة 367 - الجزء 2

  ويدل على ما ذكرنا بالإضافة إلى ما تقدم: ما روي عن أمير المؤمنين # أنه أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إن عبدي تزوج بغير إذني، فقال له أمير المؤمنين: (فرق بينهما)، فقال الرجل لعبده: طلقها يا عدو الله، فقال أمير المؤمنين # للعبد: (أما الآن أيها العبد فإن شئت فأمسك، وإن شئت فطلق)، فاستنكر الرجل على أمير المؤمنين حين أخرج الأمر من يده وجعله للعبد؛ فبين له أمير المؤمنين # ما استنكره وقال: (إنك قد قررته على النكاح، وأذنت له فيه، وذلك حين أمرته بالطلاق؛ لأنك لا تأمره بالطلاق إلا وأنت مذعن بعقد النكاح) هذا معنى الرواية لا لفظها فليعلم.

  فدل كلام أمير المؤمنين # في هذه الرواية أن تنازل الشخص عن حقه لشخص آخر طريق لثبوت الحق للشخص الآخر، وانقطاع حق الشخص الأول، وأنه لا تسمع من المتنازل بعد ذلك دعوى.

  - ودلت الرواية أن الواجب على الحاكم أن يحكم بالظاهر، ولو كان المحكوم عليه مغفلاً.

  ومثل ما تقدم أن يكون بين رجلين معاملات بالدين، ثم إن بيانات الدين ضاعت أو سرقت، وأراد الرجلان أن يتخلصا من ذلك الدين؛ فاجتمعا وحدسا الديون، وتفاوضا فيها؛ فاتفق رأيهما على أن يدفع المدين مبلغاً محدداً لصاحبه، ويتسامحا فيما زاد أو نقص؛ فتنازل الدافع عما زاد عليه من الدين إن كان، وتنازل الآخذ عما نقص من دينه إن كان، وافترقا على ذلك بكتابة عدل وشاهدي عدل، ثم بعد حين وُجِدَتْ البيانات الضائعة؛ فهل يكون وجودها سبباً لنقض تلك المصالحة والمنازلة والمسامحة أم لا؟

  - الجواب هو كما أسلفنا في السؤال الأول، وهو أن التصالح والتراضي قد قطع طريق الدعاوى في ذلك.

  نعم، إذا كان الصلح والتنازل مشروطاً بعدم ظهور البيان فإنه يعمل بالبيان.