من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[وجود وصيتين لميت]

صفحة 500 - الجزء 2

  قلنا: القطع بثبوت الوصية لزيد بالثلث إنما يكون لو لم يوص الميت من بعد بالثلث لرجل آخر غير زيد، فأما إذا أوصى به لرجل آخر فلا قطع بثبوت الوصية لزيد بالثلث.

  هذا، وأما إذا كان في الوصية الأولى الوصية بمظالم وكفارات كالزكاة والدين دون الثانية، ولم يظهر للورثة أن الميت قد تخلص من ذلك، ولم يحصل لهم ظن بذلك - فالأقرب إلى الصواب أن ينفذوا ما هنالك: أولاً: من أجل تبرئة ذمة ميتهم. ثانياً: أن الحقوق المذكورة تتعلق بالمال فيجب إخراجها من المال وإن لم يوص بها الميت إذا علم بقاؤها في ذمته، وقد قال تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}⁣[النساء ١٢]، وقد يشمل الدين الكفارات، والزكوات، والدين، ومظالم العباد.

  فإن قيل: لعل الميت إنما أغفل ذلك في الوصية الثانية لأنه قد قضاه أو لنحو ذلك.

  قلنا: الأصل البقاء، ولا ينبغي الحكم بالانتفاء إلا إذا حصل للورثة علم أو ظن بأن الميت قد قضى ما تضمنته الوصية الأولى، وأما إذا لم يحصل لهم علم ولا ظن بذلك فالواجب عليهم إخراج ذلك الذي تضمنته الوصية الأولى مما ذكرنا.

  وأما إذا تضمنت الوصية الأولى ذكر الوصية بالحج فإن كان الميت قد حج حجة الإسلام فإن إغفاله لذكرها في الوصية الثانية دليل على رجوعه عن الوصية بالحج، وإن كان الميت لم يحج حجة الإسلام فينبغي للورثة التحجيج عنه؛ تبرئة لذمة الميت.

  وهذا إن ظهر لهم أنه قد كان وجب عليه الحج ولم يحج؛ أما إذا ظهر لهم أنه لم يكن قد وجب عليه الحج فلا يلزمهم أن يحجوا عنه؛ لأنه ليس في ذمة الميت حينئذٍ وجوب الحج.

  ودليل هذه المسألة وما قبلها ما روي عن النبي ÷ أنه قال: «... فدين الله أحق أن يقضى».