من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

كتاب السير

صفحة 549 - الجزء 2

  تدعو إليه حياة البشر من مزاولة تلك الأعمال واستمرارها، وقد قال تعالى: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}.

  وبعد، فالزراعة والتجارة مما أحلّه الله تعالى لعباده، وليس على المسلم حرج فيما أحلّه الله تعالى.

  فإن قيل: إن ذلك يكون سبباً في تقوية سلطان الظالم بما يأخذ على أصحابها من المال، فيكون المسلم بذلك معاوناً للظالم على ظلمه.

  قلنا: التجارة والزراعة شيء، ومعاونة الظالم شيء آخر، فقد أحلّ الله البيع والزراعة ثم حرّم تعالى معاونة الظالم، ومعاونة الظالم تكون بالمال وبالقول وبالفعل، والتجارة والزراعة لا تكونان معاونة.

  فإن قيل: التجارة والزراعة سببان وطريقان إلى تقوية سلطان الظالم، ولولا ذلك لما قامت للسلاطين دولة، وخصوصاً في القرون الماضية حيث كان التجار والزراع هم المصدر الوحيد لدخل الدولة، وقد حرّم الله تعالى فعل الحسن إذا كان سبباً في حصول القبيح كما في قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}⁣[الأنعام ١٠٨].

  قلنا: الأسباب والطرق إلى فعل المعاصي أو وجودها تنقسم إلى قسمين:

  الأول منها محرم كما في هذه الآية، وكالنظر إلى محاسن المرأة الأجنبية والخلوة بها، وما أشبه ذلك مما نصّ الشرع على تحريمه.

  الثاني منها غير محرّم، وهو الذي لم يأت فيه نصّ على تحريمه، والتجارة والزراعة من هذا القسم؛ إذ لو كان ذلك محرماً في وقت سلاطين الجور لبيّنه الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله ÷؛ لشدة الحاجة وعمومها، وقد بين الله تعالى ورسوله ÷ ما هو أقل أهمية من ذلك: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ٦٤}⁣[مريم].

  ومن هذا القسم الأخير ما ثبت من جواز إطعام الذمي والأسير الحربي والفاسق، والإحسان إلى الكافر والمشرك غير المحارب في قوله تعالى: {لَا