من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

كتاب السير

صفحة 550 - الجزء 2

  يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ٨}⁣[الممتحنة].

  ومنه ما ثبت عن النبي ÷ من أنه كان يتعامل مع اليهود بالبيع والشراء مع علمه ÷ بأنهم كانوا يتعاملون بالربا ويصدون عن سبيل الله، وقد خلى أمير المؤمنين # بين أهل الشام في حرب صفين وبين الماء فلم يمنعهم منه بعد استيلائه عليه.

  وقال أهل المذهب: إنه يجوز معاملة الظالم بيعاً وشراءً، وقالوا: إنه يجوز بيع الزبيب إلى من يظن أنه يصنعه خمراً بشرط ألَّا يكون له قصد في صناعته خمراً، إلى غير ذلك من الأسباب التي لم يحرمها الشرع، والتجارة والزراعة من هذا القبيل.

  ولو كانت الأسباب جميعاً محرمة لحرم إطعام الفاسق، وحرم بيع الطعام إليه، ولحرم شراء السلع منه؛ لما يؤدي ذلك من الإعانة له على فسقه ولا قائل بذلك.

  وهناك حالة أقل وضوحاً مما سبق، وهي ما يدفعه الحجاج من الرسوم فنقول: الذي يظهر لي - والله أعلم - أنه يجوز للحاج والمعتمر أن يدفع تلك الرسوم التي لا بدّ منها لمن أراد الحج والعمرة، وقد أوجب أهل المذهب الحج على المستطيع إذا لم يؤخذ عليه من المال إلا المعتاد، والآن قد صارت تلك الرسوم قانوناً وعادة رسمية؛ فما قلنا به من جواز ذلك متوافق مع قول أهل المذهب.

  وبعد، فإنه ليس على المسلم حرج في أن يكون مظلوماً، وإنما الحرج عليه في أن يكون ظالماً، ولا ظلم في دفع شيء من تلك الرسوم من قبل المعطي.

  وعلى الجملة فتجوز معاملة الظالم فيما ذكرناه وفيما أشبهه بشروط:

  ١ - ألَّا يكون الظالم محارباً، فإن كان محارباً وجبت مقاطعته ومعاداته.

  ٢ - أن تدعو الحاجة إلى دفع المال كالحج والعمرة ورسوم البناء وضرائب التجارة وما أشبه ذلك.

  ٣ - للنية هنا مدخل، فيشترط أن يكون دفع المال خالياً تماماً عن قصد معاونة