من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

قسم أصول الدين

صفحة 60 - الجزء 3

  ومن الأسباب في ابتعاد العباد عما عرضه عليهم ربهم من الخير هو الترفع والاستكبار على الدعاة الداعين إلى الخير.

  ومن الأسباب في ذلك إيثار الشهوات العاجلة وهوى النفس.

  نعم، الظاهر أن هذه الأسباب الثلاثة: الجهل، والاستكبار، والشهوات تتجمع لتكون سبباً واحداً قوياً، وقد يكون بعضها سبباً في بعض.

  فالترفع والاستكبار يتسبب في ترك النظر في دعوة الدعاة، وشهوات النفس وهواها قد تصد العبد عن النظر في الخير المعروض، وقد يجتمع هذان السببان عند العبد فيترك النظر في الخير المعروض.

  وقد يكون الترفع والاستكبار سبباً مستقلاً في رفض العرض وتركه، وقد يكون هوى النفس وشهواتها سبباً مستقلاً في رفض العرض وتركه.

  فعلى ما ذكرنا يكون إعراض العباد عما عرضه ربهم لهم من الخير العظيم لسبب راجع إلى ذات أنفسهم، لا لأمر راجع إلى الله، أو إلى ما عرض من الخير.

  والأمر هو الجهل وعدم التصديق بالأرباح المعروضة، وحصول الجهل عند العباد هو بسبب إعراضهم عن النظر فيما عرضه الله عليهم، والإعراض هو ناتج عن الاستكبار والترفع، أو عن إيثار هوى النفس، وإشباع شهواتها وغرائزها البهيمية.

  فإن قيل: ما هو السبب الذي جعل شعوب الكرة الأرضية تعرض تمام الإعراض عن هذا الخير إلا قلة قليلة في بعض زوايا من الأرض على طول التاريخ؟

  هل ذلك لاختلاف فطر العقول؟ أم لاختلاف تركيب الأجسام والطبائع؟ أم لاختلاف البلدان والمجتمعات؟

  قلنا: قد زود الله تعالى جميع المكلفين بالقدر الكافي من فطر العقول، وساوى بينهم في هذا العطاء، إلا أنه تعالى يزيد لمن أقبل إليه في فطرة عقله كما قال: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}⁣[محمد: ١٧]، {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}⁣[الأنفال: ٢٩].