كتاب التوحيد
  عليه أسرته ومجتمعه من الدين، لا لأن فطرته قد اقتنعت وصدقت، بل لا تزال الفطرة متحيرة فيما هي عليه من الأمر الواقع الذي فرضه المجتمع الذي عاش فيه.
  ولا تزال الدواعي الفطرية تدعو صاحبها الذي حرفه الأبوان والمجتمع إلى النظر والتفكير فيما هو عليه، وفيما ينبغي أن يكون عليه.
  وتكثر هذه الدواعي في الحين الذي يكون الرجل قد ارتبط في شؤون حياته بأهل مجتمعه، وكثر أصدقاؤه وأصحابه وزملاؤه، ويصعب عليه مخالفتهم، فيعرض عن التفكير ويحاربه، ويتردد عليه الداعي فيعرض ويحاربه، وهكذا يصنع كلما عاد، هذا هو شأن المجتمعات الكافرة في مشارق الأرض ومغاربها.
  أما المجتمعات الصالحة (وقليل ما هم) فإن فطر الناشئين فيهم تصادف ما ينميها، ويفتح لها أبواب الإيمان وأبواب المعارف الحقة.
  فإن قيل: هل يستوي تكليف الناشئ في مجتمع كافر، والناشئ في مجتمع صالح؟ وإذا استويا فما هو وجه العدل في الاستواء؟
  قلنا: تكليف أولئك سواء بالنسبة لمعرفة الله تعالى والإيمان به، لا يختلف تكليف الناشئ في مجتمع كافر عن تكليف الناشئ في مجتمع صالح؛ وذلك لأن عند كل واحد منهما من الفطرة ما يتمكن به من التحقق بحقائق الإيمان، في حين أن الله تعالى جعل من شأن فطر العقول أن لا تقبل الباطل، ولا تصدق به، ولا تؤمن به، ولا تدين ولا تذعن، هذا هو شأن الفطرة.
  فإن قيل: قد رأينا وسمعنا أن المشركين يدينون بإلاهية الأصنام، وهي حجارة منحوتة لا تنفع ولا تضر، وما ذاك إلا لأن فطر عقولهم أذعنت بإلاهيتها وعظمتها.
  قلنا: إذعان المشركين إلى التصديق بإلاهيتها ليس إذعاناً ناتجاً عن فطر العقول، وإنما هو إذعان ناشئ عن أوهام وخيالات خرافية.
  وللفرق بين إذعان الفطرة وبين إذعان الخرافة نذكر مثالاً هو:
  قد يكون الإنسان في بيت مغلق الأبواب لا يوجد فيه أحد غيره، فإذا جاء