من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

قسم أصول الدين

صفحة 63 - الجزء 3

  الليل بظلامه على هذا البيت فقد يتخيل الإنسان في البيت أشباحاً، وقد يتزايد هذا التخيل فيحدث بسببه عند صاحب البيت خوف وقلق يرجف منه قلبه، وترتعد فرائصه، ويقشعر منه جلده.

  وإذا رجع صاحب البيت إلى فطرة عقله فإنها ستؤكد له أن تلك الخيالات لا أساس لها، ولا حقيقة لوجودها، ولا شك أن الرجل يثق بخبر فطرته ويصدق به تمام التصديق، ويجزم بصحته.

  إذا رجع صاحب البيت إلى فطرته فإن ذلك الخوف سينهزم، ويضعف إلى حد بعيد؛ لأن الرجل بلا شك حين رجع إلى فطرته، ووازن بين خبر الخيال وخبر الفطرة - حكم حكماً يقيناً بأن خبر الخيال كاذب، وخبر الفطرة صادق.

  إذا عرفت ذلك فتدين المشركين ناتج عن خيالات وأوهام لا حقيقة لها، ولم يسمح لهم العناد والترفع والاستكبار والتعصب لدين آبائهم وأجدادهم من الرجوع إلى فطر عقولهم ليعرفوا من خلاله بطلان أديانهم، وصحة دين ربهم الذي جاء به نبيهم ÷.

  وقد استنكر الله تعالى عليهم إعراضهم عن الرجوع إلى فطر عقولهم فقال: {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ٣}⁣[يونس]، {أَفَلَا تَعْقِلُونَ ١٦}⁣[يونس]، قال لهم بعد أن ذكر حجته عليهم؛ فأخبر تعالى بأنه يكفي لمعرفة بطلان ما هم عليه من الدين رجوعهم إلى ما عند فطر عقولهم، وما هو مركوز فيها من الدلائل والبراهين الصادقة التي تقنعهم بالحجة على بطلان دينهم.

  وإذا كان عند كل مكلف في فطرة عقله ما يوضح له الحق واليقين الذي فيه غاية الإقناع، ويميز له بين الخرافة والحقيقة، ويدله على الحق والباطل، ويميز له الهدى والضلال بما لا يبقى عنده للنفس أي شك ولا شبهة - فإنه يستوي التكليف بالنسبة للناشئ في مجتمع كافر، أو في مجتمع صالح.