كتاب التوحيد
  الله تعالى غير محدودة بحد أو مقدور، وهذا معنى قولهم: إن الله على كل شيء قدير، وبكل شيء محيط، لا يعجزه مقدور.
  وبعد، فإنه لم يأت بيان ما يذكره المتكلمون في كتاب الله تعالى، ولا في سنة رسول الله ÷ على الحد الذي ذكروه.
  هذا، مع أن التفكر في ذات الله محرم، ولا سبيل إلى كنه معرفته تعالى، حارت العقول وضلت الأفهام: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ١١٠}[طه]، فهو سبحانه وتعالى أكبر وأعظم من أن يحاط بعظمته وكبريائه وجلاله، وقد قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ٨٥}[الإسراء].
  هذا، والذي ظهر لي أنه لا ثمرة لما يذكره المتكلمون من التفصيل، اللهم إلا الترجمة والشرح مثلاً لقوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٦}[الحشر]، {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ١١}[التغابن]، ولا سبيل إلى معرفة ما قالوا والتصديق به إلا المعرفة بأن الله على كل شيء قدير وبكل شيء عليم.
  نعم، المطلوب من المكلف هو الإيمان والتصديق بأن الله تعالى قادر عالم ... إلخ، فقولهم: لذاته أو بذاته - زيادة فيها إجمال، وذلك لتعدد معاني اللام والباء؛ فإن كانت اللام للتعليل كانت الذات علة للعالمية و ... إلخ، ولعل هذا المعنى هو الذي يريده من يقول بالصفة الأخص المقتضية للصفات الأربع وهي: كونه موجوداً قادراً عالماً حياً.
  وقد تكون للتعليل على معنى آخر غير هذا، وهو أنه يقال في حق الإنسان: إنه قادر لقدرة، أي: من أجل قدرة جعلها الله فيه بحيث أن هذه القدرة لو سلبت عن الإنسان لم يوصف بأنه قادر؛ فلما أطلقوا على الله سبحانه وتعالى اسم القادر أرادوا أن يفرقوا بين الخالق والمخلوق فقالوا: قادر لذاته، بمعنى: أنه قادر لا من أجل قدرة، وأنه لا تعلل صفاته بشيء سواه.
  ولعل المقصود أنه إن كان لا بد من التعليل من أجل التفرقة بين قدرة الخالق والمخلوق، فإنه يقال: قادر لذاته وعالم لذاته بمعنى أنه قادر لأنه الله.