كتاب العدل
  هذا، وإن كان الله تعالى قد جعل لكلٍ من عباده أسباب الصلاح، ووفرها له، فقد يعرض العبد عن ذلك، ويختار العناد، ويسير في طريق الفساد، وقد يختار سبحانه لعبده الغنى من أجل صلاحه، فيسخر العبد ذلك في طرق الفساد، فإذا قال العبد: لو أفقرتني يا رب لم أدخل في الفساد، فالجواب عليه أن يقال: إن الله تعالى هو أعلم بمصالح عباده.
[البلوى والاختبار]
  ﷽ وبه نستعين، الحمد لله على ما أولى، فنعم ما أولى، ونعم المولى، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله ما تنفس صباح، وما دف جناح، وما لمع برق ولاح.
  قضت حكمة الحكيم العليم في هذه الدار بالبلوى والاختبار للمكلفين ليتكشف ويتميز الصادقون من الكاذبين: {الم ١ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ٢ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ٣}[العنكبوت].
  وقد كثرت البلوى والاختبارات للمؤمنين على عهد النبي ÷، وقد كانت كما ذكر الله ﷻ في قوله في سورة البقرة: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ١٥٥}[البقرة]، وما مضى من الفتن على أول هذه الأمة سيمضي على من بعدهم إلى أن ينقطع التكليف، ولا يزال ناعق الفتنة ينعق بالدعوة إلى فتنة في الأجيال، يزخرفها لهم ويحسنها إليهم، بلفيف من الشبه التي أعدها لدعوته، وزينها بخبث صناعته، هكذا اقتضت حكمة العليم الحكيم؛ ليتميز الخبيث من الطيب، وليظهر ظهوراً مكشوفاً أهل الإيمان الصادق وأهل الإيمان الكاذب، وتماماً كما قال سبحانه: {الم ١ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ٢ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ٣}،